الجمعية العامة والضمير العالمي

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

تمثل الجمعية العامة الجهاز المركزي للأمم المتحدة، فهي تتكون من ممثلين عن جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة، على عكس مجلس الأمن الذي تكون فيه التمثيلية محدودة، يتمتع كل الأعضاء بصوت واحد داخل هذه الجمعية التي تشكّل «برلماناً دولياً»، وهي تعقد جلسات منتظمة، وأحياناً تعقد جلسات غير عادية، بناء على طلب مجلس الأمن أو أغلبية الأعضاء.

تستأثر الجمعية العامة بمجموعة من الصلاحيات، فبإمكانها أن تناقش جميع المسائل أو الشؤون التي تدخل في نطاق الميثاق، كما تناقش أيضاً كل المسائل المتعلقة بأهداف الأمم المتحدة، وتتخذ قراراتها بالأغلبية البسيطة، في ما عدا المسائل المهمة التي تتطلب الأغلبية المطلقة؛ أي ثلثي الأعضاء كمسائل السلام والأمن.

وإذا كان مجلس الأمن هو الجهاز الرئيسي المكلف بحفظ السلم والأمن الدوليين، تبعاً لما ورد في «الميثاق الأممي»، فإن ظروف الحرب الباردة وما صاحبها من إقبال على استعمال حق الاعتراض (الفيتو)، أتاحت للجمعية العامة الفرصة للقيام بأدوار مهمة في هذا الصدد؛ بل وصل الأمر إلى حد اعتماد قرار «الاتحاد من أجل السلام» في عام 1950، الذي يتيح لها ممارسة اختصاصات مجلس الأمن في جميع حالات تهديد السلم والأمن الدوليين والعدوان، عندما يتعذر حصول إجماع الدول الأعضاء الدائمة بصدد القيام بمهامه في ما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، نتيجة الإقدام على ممارسة حق الاعتراض.

وعلى الرغم من تراجع أداء الجمعية العامة، بسبب «تغوّل» مجلس الأمن خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإنها ما زالت تحاول من حين لآخر إثبات نفسها، كإطار يعبر عن الضمير الجماعي لدول العالم.

وتشكل الدورات العادية للجمعية العامة التي يلتئم فيها ممثلو دول العالم في أواخر سبتمبر/أيلول من كل عام، مناسبة لتداول عدد من القضايا التي تشغل بال الرأي العام الدولي. ويأتي انعقاد الدورة ال77 للجمعية بعد سنتين من الغياب بفعل انعكاسات جائحة كورونا، في ظروف عالمية يطبعها التوتر والترقب والخوف من المستقبل، بسبب تراكم مجموعة من المشاكل التي أصبحت تهدّد السلم والأمن الدوليين بشكل جدي، وتعيد للأذهان ظروف الحرب الباردة.

فالحرب الروسية في أوكرانيا أفرزت أجواء من الانقسام الدولي، وطرحت عدداً من الإشكالات القانونية والاقتصادية والأمنية والسياسية، ما يعرض السلم والأمن الدوليين لمزيد من الخطر.

وقد شكلت الدورة التي دامت أسبوعاً كاملاً، وحظيت بمشاركة 190 متحدثاً يمثلون الدول الأعضاء، محطة لدق ناقوس الخطر، والتنبيه إلى حجم التهديدات والمخاطر التقليدية والجديدة التي باتت تهدّد حياة الإنسان وأمنه ومستقبله بشكل جدي.

فقد هيمن تطور الوضع العسكري في أوكرانيا، وما يرافقه من تهديدات متبادلة ومتنامية بين روسيا والغرب، على مجمل التدخلات التي أكدت أهمية وقف القتال والجلوس على مائدة التفاوض والحوار، حقناً للدماء وحفاظاً على ما تبقى من سلام هش يسود عالم اليوم.

كما استأثر موضوع البيئة بعناية كبيرة بين مختلف ممثلي الدول، الذين أجمعوا على أن كوكب الأرض يواجه الكثير من الأخطار البيئية التي باتت تهدّد وجود الإنسان، وباقي الكائنات الحيّة الأخرى على الأرض، بفعل الأنشطة البشرية العشوائية والتي تُلحق بالطبيعة آثاراً مدمّرة، ما يتطلب اعتماد مزيد من التدابير والإجراءات كالعمل على الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وإرساء العدالة المناخية.

وشهدت المناقشات أيضاً طرح موضوع أزمة الطاقة التي تطورت بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية، مع تطور الأوضاع العسكرية في أوكرانيا، وما أحدثته من ارتباك واضح في أسواق الطاقة الدولية، والتي عمّقت المعاناة الاجتماعية في ارتباط ذلك بارتفاع أسعار عدد من المنتجات الغذائية والصناعية، وانتشار نسب الفقر في عدد من الدول، بغض النظر عن إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية.

ونبّه الكثير من المتدخلين إلى عدد من النزاعات والصراعات والأزمات المنتشرة في مناطق مختلفة من العالم، والتي أصبحت تستدعي بذل مزيد من الجهود في سبيل إرساء حلول عادلة ومستدامة لها، كما هو الشأن بالنسبة للقضية الفلسطينية، وتطور الأوضاع في اليمن وليبيا.

ويبدو أن هناك شبه إجماع على أن هيئة الأمم المتحدة التي مرّ على إنشائها أكثر من سبعة عقود، باتت بحاجة ملحّة إلى إصلاحات جذرية تعيد لها التوازن والمصداقية.

بعيداً عن توجهات مجلس الأمن التي لا تعكس غالباً انشغالات الرأي العام الدولي، تظل المراهنة كبيرة على الجمعية العامة، لبذل مزيد من الجهد من أجل تقوية أدائها وتعزيز حضورها، ودفع المنظمة إلى تحقيق أهدافها الرئيسية، وإلى الانكباب على الأولويات والتحديات التي تشغل شعوب العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7y8fxury

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"