كلام له ماء ورونق

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

عنوان المقال هو وصف أطلقه العلامة د. شوقي ضيف وهو يتحدث عن تحوّل مهم في بنية النثر العربي تحت تأثير الفتوحات العربية للأقاليم والبلدان الجديدة خارج جزيرة العرب، فاكتسب أهلها الكثير من الأمم والحضارات التي فتحوها مما ادخرته أمهات العلم والأدب والفلسفة، ما شكّل ثورة كبيرة لإخراج النثر العربي من حيز ضيّق إلى آفاق واسعة، فاستوعب هذا النثر كل ما صادفه في طريقه من أواسط آسيا شرقاً إلى الأندلس غرباً، وبوصف ضيف: «إن لغة البدو تمددت واحتوت كل ما لقيته من بديع معرفة وغريب صنعة»، ويعطي الأمثلة على ذلك في أسفار مثل «كليلة ودمنة» و«ألف ليلة وليلة».
لكن لم تكن تلك الانعطافة الأولى في تاريخ النثر العربي. لقد سبقتها انعطافة لا تقلّ أهمية، إن لم تزد، كونها انعطافة التأسيس لما باتت اللغة العربية عليه اليوم، والتي اقترنت بظهور الإسلام ونزول القرآن الكريم، ويرى شوقي ضيف أن الاسلام نفخ في روح النثر العربي نفخة جديدة لم تكن له قبل ذلك، نفخة روحية غيّرت مدلولات الألفاظ واشتقت ألفاظاً تلائم المحتوى الجديد، واصفاً ما حدث بأنه «بعث جديد لروح اللغة».
لم يكن مسار تطوّر النثر العربي عبر التاريخ مستقيماً دائماً. ثمة التوءات ومحطات جمود. حدث ذلك أول مرة عندما اقترح كتّاب الدولة العباسية «أن يصبوا عباراتهم الأدبية في قوالب السجع المتحجرة ويوشوها بزخارف البديع المتجمدة»، ومن نتيجة ذلك «أن كل روح جمدت وكل جذوة خمدت، وأصاب الأمة جمود في جميع شؤونها الثقافية وغير الثقافية».
استمرت حال الجمود تلك طويلاً. لم نشهد انعطافة نحو التجدد إلا مع الحملة الفرنسية على مصر، إذ «التقى جمودنا الشديد بتحرر أوروبا العنيف»، وأخذت «تنفك منذ هذا اللقاء الأغلال والسلاسل التي كانت تقيد النثر العربي وأخذ يسترد حريته وينشط ويساعد للثورة».
لم يشر شوقي ضيف بالاسم إلى مشروع محمد علي باشا وتأثيره، ولكنه أشار إلى رفاعة الطهطاوي الذي ما كان سيبلغ ما بلغ لولا أن محمد علي هو من أرسله إلى فرنسا، ليعود منها شخصاً آخر مختلفاً، وليطلق شرارة التجديد التي طالت، ضمن ما طالت، لغة النثر نفسه ليستوعب جديد المعارف والأفكار الآتية من الحضارة الأخرى.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ce2uhfx

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"