ظهرت الفتاه الباكستانية ملالا يوسفزاي في بلادها، فأعادت تذكيرنا بقصة مهمة كانت هي البطلة فيها قبل عقد كامل، وهي قصة فيها من الشجاعة بقدر ما فيها من الصلابة، وكان تتويجها بحصولها على جائزة نوبل للسلام.
ففي مثل هذه الأيام قبل عشر سنين، تعرضت ملالا لاعتداء على حياتها، وكان ذلك على يد عنصر من عناصر حركة طالبان الباكستانية، وهي حركة مستقلة بذاتها في باكستان، لكنها تحمل تقريباً نفس أفكار حركة طالبان الأفغانية.
ولم تكن الفتاه الشهيرة قد فعلت شيئاً وقت الاعتداء على حياتها، سوى أنها كانت تتحمس لتعليم البنات في باكستان، وكانت تدعو إلى تعليم كل بنت، وكانت تنشر دعوتها في كل مكان، وكان ذلك بالطبع لا يعجب الحركة الطالبانية الباكستانية.
وذات يوم من عام 2012، كانت ملالا تتجه مع زميلات لها في حافلة إلى المدرسة، فصعد إلى الحافلة عنصر من عناصر الحركة ونادى عليها باسمها، فلما وقفت تجيبه أطلق عليها النار، لكنها نجت بمعجزة، ونقلوها على الفور للعلاج في أقرب مستشفى، ومن المستشفى أخذوها إلى بريطانيا، وهناك عولجت في مستشفى الملكة إليزابيث، وتحولت بعد شفائها إلى أيقونة من أيقونات الدفاع عن تعليم البنات، ليس فقط في بلدها، ولكن على امتداد العالم كله.
ولم تجد جائزة نوبل في مقرها في السويد، مرشحاً أفضل من هذه البنت الشجاعة، تمنحها جائزتها في السلام، فكانت أصغر الذين حصلوا على نوبل في تاريخها الممتد لأكثر من قرن من الزمان.
ومن بعد نوبل فإن ملالا سخرت الجائزة وشهرتها في الترويج لقضيتها، ولا تزال تفعل هذا بحماس شديد، ولا تزال من بريطانيا؛ حيث تلقت العلاج وحيث أكملت تعليمها، تواصل رسالتها في الدفاع عن حق كل بنت في أن تتلقى التعليم الذي يليق بها.
ولا بد أن قضية تعليم البنات في باكستان بالذات، وربما في أفغانستان المجاورة، لم تحصل على عون كما حصلت على عون من ملالا.
ومن أيام كان وزير التعليم في أفغانستان قد قال إن عدداً كبيراً من الأُسر في بلاده يرفضون من تلقاء أنفسهم إرسال البنات إلى المدارس، ومن دون أن يكون لحركة طالبان أي دخل في ذلك.
والمعنى أن المسألة مسألة ثقافة متجذرة في البلاد، وأن هذه الثقافة بحاجة إلى عمل متواصل يُغيّرها، وهذا بالضبط ما تعمل من أجله ملالا يوسفزاي، سواء كان ذلك قبل حصولها على نوبل، أو بعد حصولها عليها.. فهي تراكم عملها من أجل هذه القضية كل يوم.
وكما كانت قد خرجت من باكستان من قبل في ظروف غير سعيدة، بعد واقعة إطلاق الرصاص عليها، فإنها ترجع اليوم في ظروف غير سعيدة أيضاً، لكن الظروف هذه المرة ظروف باكستانية في العموم، وليست ظروفاً شخصية تخص ملالا في حد ذاتها.
فالفيضانات ضربت وطنها كما لم تضربها في تاريخها كله، وقد وصل الأمر إلى حد أن ماء الفيضانات غطى ثلث مساحة البلاد، وأدى إلى نزوح ثمانية ملايين باكستاني، وخلّف أضراراً بالغة وصلت قيمتها إلى 28 مليار دولار، وقد وصف أنطوني غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، ما تعرضت له باكستان بأنه: «مجزرة مناخية».
ولم تجد ملالا شيئاً تفعله سوى أن تظهر في بلدها، لعل الاهتمام الدولي بما حدث للناس هناك يظل عند المنسوب العالي، ولعل المجتمع الدولي يساعد في رفع آثار المجزرة المناخية، ولعله كذلك ينتبه إلى أن موضوع تغيرات المناخ جدّي لا مزاح فيه.
[email protected]
https://tinyurl.com/yp7c6yac