عادي
شخصيات

كلود سيمون..روائي يلعب بالسرد

23:05 مساء
قراءة 3 دقائق
10

القاهرة: «الخليج»

كان الروائي الفرنسي كلود سيمون، (10 أكتوبر 1913 – 6 يوليو 2005) هو الوحيد المعروف، بين جماعة كتّاب «الرواية الجديدة» منذ فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، باستثناء «ناتالي ساروت»، فقد نشر أول رواية له بعنوان «الغشاش» عام 1941.

ومنذ ذلك التاريخ، وهو يعمل على الكتابة، ولعله الوحيد أيضاً بين مجموعة كتّاب الرواية الجيدة، الذي لم يهتم بتأليف كتاب يشرح فيه نظرياته الأدبية، وإنما اكتفى بالتعبير عنها ضمناً في رواياته، التي تعتمد على رفض القواعد التقليدية للحدوتة، كما تعتمد على الشذرات المتناثرة وتوارد الخواطر.

على قارئ سيمون أن يقوم بالربط بين شتى العناصر المتفرقة، ليفهم ما يود الكاتب قوله، فالنص مملوء بالفراغات والبتر والتداخل، وإذا ما حاول القارئ ربط الأحداث، فقدت الرواية كيانها، لأنها قائمة على هذه العناصر المتفرقة.

كلود سيمون لا يقوم بنقل الواقع، وإنما يقدمه في لقطات بدقة فائقة، وبوصف تصويري بارع، فالوصف يعد الأداة الأساسية في كتاباته، وقد وصل به إلى أعلى المستويات، والترابط في رواياته قائم على الوصف والتداخل وتوارد الخواطر، ما يعاونه على تثبيت المشاعر في تحركات مختلفة ذات أهمية، تفوق أهمية استمرار الحدث أو الحكاية.

ويمكن تلخيص نظرية كلود سيمون التي بنى عليها رواياته، في ما يقوله من أن كل ما يمكن للإنسان أن يبتكره ليس في الواقع إلا إعادة تشكيل للرؤيا والأحداث، لذلك يهتم بالتعبير عن كل ما يمثل حالة معينة محددة المعالم، كأنه يسير بين مختلف مستويات العمل الأدبي، وهنا تتضح أهمية عملية استيعاب الذاكرة لترجمة الصور التي تعكسها القراءة والكلمات، وهو استيعاب يتم بعيداً عن عملية التحديد الزمني.

أما أسلوب كلود سيمون فمن المعروف عنه أنه من أصعب الأساليب – كما تقر بذلك الدكتورة زينب عبد العزيز مترجمة روايته «الريح»– التي نجمت عن تجربة «الرواية الجديدة»، ويقول الناقد الفرنسي كلود روا عن أسلوب كلود سيمون إنه «يصوغ جملة متراكمة تراكم مكونات الحياة، فهي جمل لا تنتهي أبداً، إنها متلاصقة لا تتفكك، كأنها كابوس تاريخي، أعشاب لا نهاية لها، تذكّرنا هذه الجمل بأننا نسينا هويتنا».

أما الناقد إميل هنريو فيقول في تعليقه على رواية «الريح»: «إنه كتاب فذ قوي وعميق، ينتمي إلى سياسة النفَس الطويل، من خلال تلك الجمل الطويلة التي يقوم بصياغتها، إنه واقعي عنيد، موفور الطاقة، غريب وشمولي، إن السيد سيمون هو كل هذا، ونتيجة لأسلوبه هذا، فإنني لم أستطع قراءة روايته، حتى النهاية، رغم العديد من المحاولات، إنها بالنسبة إلي عبارة عن دغل عميق».

وتقر الدكتورة زينب بذلك قائلة: «لا شك في أن أسلوب الروائي كلود سيمون من أصعب الأساليب الأدبية على الإطلاق، لا من حيث المضمون وتوغله في أعماق عالم بالغ الخصوصيات، وإنما من حيث تركيبته اللغوية، إضافة إلى بقية المقومات، فالجملة عنده طويلة، بل شديدة الطول، تكثر أو تنعدم فيها الفواصل، فتتراكم الكلمات في تتابع غريب على مدى صفحات، كما تكثر فيها الجمل الاعتراضية، والجمل المتداخلة داخل الجملة الاعتراضية، بحيث يشعر القارئ بالاختناق أحياناً».

ويحتل الوصف منزلة مميزة في روايات كلود سيمون فهو وصف شديد الحساسية والدقة، في آن، لكنه من قوة التأثير في القارئ، بحيث يكاد يتصور الشخص أو الشيء الموصوف بوضوح غريب، يقوم بدور فعال في ربط تلك اللقطات المتقطعة والمتداخلة في النسيج الروائي، وكثيراً ما يكون الوصف آنياً بصيغة المضارع، وإن أدى أحياناً إلى إبهام ما، لكنه إبهام لا يطول، إذ سرعان ما يقوم المؤلف بتفسيره، والرد على ما أثاره من تساؤلات في جزء تال، أو في فصل آخر.

كما يُعد الزمن من العناصر الأساسية، التي يستعين بها كلود سيمون، والتي تربطه بسلفه الأدبي، مارسيل بروست، الذي أفرد كل أعماله للبحث عن الزمن الضائع، بل يمكن القول إن الزمن يعد الدعامة الأساسية التي لا تدور حولها الأحداث فحسب، وإنما يقوم بالربط بينها في كل المستويات، أي أنه ليس زمناً تجريدياً أو نظرياً، وإنما زمن موضوعي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2k4vtvn2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"