عادي

كافكا.. ثورة في اللغة الألمانية

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
1701

الشارقة: علاء الدين محمود
في كتابهما الذي يحمل عنوان «كافكا.. من أجل أدب أقلي»، يخوض كل من الفيلسوفين الفرنسيين جيل دولوز، وفيلكس أغواتري، تفاصيل مغامرة مثيرة وممتعة في حقل كافكا المحتشد بالمفاجآت غير المتوقعة، والعوالم الغامضة، ويزيحان جانباً كل الدراسات والتصورات القديمة والحديثة حول كافكا، ويدعوان للتمسك بما توصلا إليه من حقائق مختلفة وغير مطروقة، في سياق التعرف إلى أدب آخر مضاد للآداب المركزية الكبرى، وهو أدب الأقليات.

في المقدمة تبرز حيرة دولوز وأغواتري إزاء موضوعهما، وتبدأ من سؤال: كيف يمكن الولوج إلى أعمال كافكا؟، ثم يجيبان بأن أعماله شائكة، حيث إن لرواية «القصر»، مداخل متعددة، وكذلك لعمله المعنون بـ«أمريكا»، أبواب لا تحصى ولا تعد، رئيسية وثانوية، في ما لا تحمل قصته المعنونة بـ«الأحفورة»، سوى مدخل واحد، من هنا تبدأ الحكاية أو المغامرة، حيث يتناول الكاتبان، تقريباً، كل المؤلفات السردية لكافكا.

يعتمد الكتاب بصورة عامة على غوص عميق في أعمال كافكا، تلك التي تحمل أسراراً ونبوءات، وكأنها قد كتبت لزمان قادم غير الوقت الذي عاش فيه الكاتب الكبير، فهو يغوص في قضية مآلات العالم الرأسمالي، ويضعنا أمام تجلياته الراهنة في عصر ثقافة الاستهلاك، ففي رواية «القصر»، نقرأ عن صفوف من الموظفين العاملين ينعزلون عن بعضهم البعض، وعن الآخرين فــي الوقــت نفسه، فالقصـــر الذي لا يعرف الزائر النفاذ إليه أبداً، هـــو النظام البيروقراطي، صورة عن حـــياة اليوم التي يظهر فيها التشظي والانكســـار، وذلك أيضاً ما سنكتشفه من خـــلال بقيـة الأعمال الرؤيويــة لكافكـــا مثــل: «المسخ»، «طبيب ريفي»، «القلعة»، «رسالة إلى والدي»، «أمام القانون»، وغيرها، حيث نصادف تلك الكائنات البشرية المتحولة، والمكبة على وجهها، والتي تمضي وحيدة تعاني العذابات وقسوة الآخرين والحياة.

أدب الأقليات، الذي يشير إليه العنوان، هو الذي تصنعه مجموعة بشرية صغيرة ضمن اللغة الرئيسية، والإشارة طبعاً هنا للغة الألمانية، فلئن كانت هي لغة شعب يفتخر بتاريخه وعظمته، فإن هناك أقليات وقوميات صغيرة على الهامش تتحدث ذات اللغة، هم الذين يشاركون الألمان لغتهم، ويريدون التعبير عن أنفسهم وأدبهم وثقافتهم بها، رغم أنها ليست لغتهم الأصلية، لكنهم يضطرون إلى استخدامها، وهنا يوضح الكتاب المسألة ويصيغها المؤلفان في صورة تساؤلات على شاكلة: «ما هو عدد الناس الذين يعيشون مع لغة غير لغتهم؟، وماذا عن مشكلة المهاجرين؟، وبشكل خاص مشكلة أطفالهم، وماهي أبعاد أدب الأقليات؟، والإجابة عن تلك الأسئلة من قبل الكاتبين تضمنت العديد من الأطروحات المتعلقة باللغة والتعامل معها من قبل من لا ينتمون إليها.

من المعروف أن فرانس كافكا،«1883 - 1924»، هو كاتب تشيكي، يكتب بلغة براغ؛ أي الألمانية بطريقة الأقليات المولودة هناك، وتبدو المفارقة هنا في أن ألمانيا التي كانت تعلي من شأن نزعتها القومية آنذاك، و تفتخر بلغتها، لكن كافكا، ابن الأقليات، لا يكتفي بالكتابة بالألمانية بل يثور اللغة ويحدث فيها فتوحات كبيرة، وظل ينحت داخلها ويقيم أشكالاً ومعاني جديدة، ويكتب سرداً لطالما وصف بالصعب والغامض والقاتم، فقد كان يعبر عن تشييد جديد في اللغة على مستويات المجاز والصور والبلاغة.

الكتاب يقدم كافكا، برؤية فلسفية وسيكولوجية جديدة، وعلى الرغم من أن المؤلفين يقران بأن هناك قراءات كثيرة ومتعددة لفهم أعماله المعقدة، إلا أنهما يحاولان إغلاق تلك القراءات، بحيث لا يمكن الاقتراب برؤية تأويلية جديدة منه، وذلك ما لا يتفق مع ثراء أدب الكاتب الكبير.

الكتاب صدر فــي طبعته العربية عن دار«سطور» للنشر والتوزيع، ومن ترجمة حسين عجة، ويقع في 223 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على 9 فصول، حملت، بالترتيب، العناوين التالية:«المحتوى والتعبير»،«سمنة أوديب المفرطة»،«ما هو أدب الأقلية»،«مكونات التعبير»،«المحايثة والرغبة»،«تكاثر السلاسل»،«الروابط»،«كتل، سلاسل، قوى»، و«ماهي الوحدة النظامية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"