نوايا التكنولوجيا

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

لم يتعرّض الإعلام العربي والعالمي لفوضى كالتي نشهدها منذ أكثر من عقدين ونصف من الزمان، وأقصد بالإعلام الوسائل التقليدية المرئية والمسموعة والمكتوبة، يُضاف إليها ما استجد من وسائل إعلامية إلكترونية، أيضاً مرئية ومسموعة ومكتوبة، ووسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية والفرعية، ومن ضمنها المدوّنات الشخصية.

وأقصد بالفوضى، الحرية التي بلا حدود في نشر المحتوى بجميع أصنافه السياسية والاقتصادية والأدبية والفنية، ويشمل الأخبار والتحليلات والتغريدات والآراء، يقوم بها الإعلامي وغير الإعلامي، وتبدأ من رؤساء الدول وصولاً إلى العمال والحرفيين، ومنهم لم يتحصل على المؤهلات الدنيا للتعليم، حتى اختلط الحابل بالنابل، والغث بالسمين، وبات من الصعوبة بمكان الفرز، ومعرفة الحقيقة، على الرغم من الإرشادات التي يطلقها كثيرون للتأكد من المصدر وصدق المعلومة والخبر.

يقول أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي، إنهم أنشأوا منصاتهم وتطبيقاتهم للتواصل الاجتماعي والإنساني وليس للتبادل الإخباري، ويقال إن «الفيسبوك» على سبيل المثال كان يهدف في البداية إلى التعارف الطلابي والخريجين، قبل أن يصبح فضاء يسكنه أكثر من مليار ونصف إنسان، حتى أن بعض المفكّرين أطلق عليه (جمهورية الفيسبوك). ولا أدري إن كانت التطبيقات الأخرى تهدف إلى تحقيق الغاية نفسها. لكن النتيجة، أن هذه التطبيقات والمنصّات تحوّلت إلى مصادر يستأنس بها الإعلاميون لجمع التصريحات، فمنصة «تويتر» على سبيل المثال، أصبحت ساحة لإطلاق تصريحات من رؤساء الدول والوزراء والعلماء والمفكرين، وتستخدمها الجماعات السلمية والإرهابية لتنفيذ أجنداتها، وجميعنا تابع استغلال التنظيمات المتطرفة لهذه المنصات ونشر الفيديوهات والصور والبيانات والأخبار.

نحن نعلم أن الإنترنت وهو الشبكة العالمية للمعلومات، يهدف إلى توفير الاتصال بقواعد البيانات والمعلومات للمراكز والمكتبات وأمهات الكتب العالمية للحصول على معلومة أكيدة، وتوفير التواصل الآمن بين أفراد المجتمع، وإذا بهذا الإنترنت، أصبح حاضنة للإعلام الجديد، تقليده وحديثه، قديمه وجديده، وأصبح مكاناً جديداً لخوض المعارك السياسية والثقافية، كما أنه أصبح معياراً للقوة، بما أنه يوفّر المعلومة ويعكس التواصل بين أفراد المجتمع؛ بل أصبح، بصفته أداة رئيسية من أدوات تكنولوجيا الاتصال وتقنية المعلومات، ساحة للحروب الحقيقية بين الجيوش الإلكترونية، التي تستطيع تغيير الرأي العام وتوجيهه لصالحها.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل كانت الدول المنتجة للتكنولوجيا والتقنيات على علم بما ستؤول إليه الأوضاع، وأنها تعمّدت عن سابق إصرار، خلق الفوضى الإعلامية التي تحمل خطابات ثقافية وفكرية؟ وهل كانت تعلم أن جهات عديدة ستستغل هذا الفضاء لنشر شذوذها الأخلاقي والحضاري بين الناس؟

ويمكننا الإتيان بأدلة دامغة وسهلة للعثور عليها، فالمحتوى اللاأخلاقي الذي بدأ يغزو البيوت منذ زمن؛ بل ومنذ إطلاق الإنترنت، والمعروف لدى مديري التطبيقات والمنصات، ظل حراً من دون حظر، وتركوا المسألة لأمزجة الدول؛ دولة تحظر وتمنع، ودولة تبيح وتسمح، وفي الدول التي تمنع، اخترعوا لها برامج لفك الحظر، وبالتالي تساوت الساحات. وهل يمكننا القول إن الدول المنتجة للتقنية والتكنولوجيا وضعت وبشكل مباشر، ضمن أهدافها، نشر المحتوى المشبوه والسيئ بين المجتمعات المحافظة، وهل كانت المجتمعات المحافظة هي الهدف من وراء هذا الانفتاح؟

لا نملك إجابة شافية ولا يحق لنا توجيه الاتهام المباشر، والسبب أن المنتج التقني والتكنولوجي كان يستهدف جمهور الدول المصنعة، والجدال يقود إلى أن التكنولوجيا ليست حكراً على أحد، ويحق لكل دولة أو مجتمع الاستفادة من ثورة التكنولوجيا والتقنيات، وتبقى المسألة في التحصين الفكري والأخلاقي والمعرفي للمجتمعات المحافظة، لكن الحقيقة أن الدول المحافظة لم تكن مستعدة معرفياً حين قررت مثلاً أن تنجز عالماً (إدارة) بلا أوراق، وهو مثال بسيط في سعي الدول للتقدم.

يبدو أن هناك ثمناً للتطور البشري، وأن هنالك أعراضاً جانبية لاستخدام التقنية المتطوّرة، وهذا ما سميناه بالفوضى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mmuyta2h

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"