يقول الكاتب الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل للآداب ويليام فوكنر: «اقرأ كل شيء، الهراء، الكلاسيكيات، الجيد والسيئ، وانظر كيف يفعل الكتاب ذلك، هذه الكتابات، تماماً مثل النجار الذي يعمل كمتدرب ويدرس كفنان، اقرأ ما تستوعبه، ثم اكتب. إذا كان ذلك جيداً، فستكتشف هذا».
الكتاب عتبة القراءة الأولى، كما أنه من المنطقي أن تكون القراءة سابقة على الكتابة، والقراءة هي القاعدة التي توطد أركان الكتابة، وتجعلها أكثر حيوية وقادرة على الاستفزاز والدهشة.
والقراءة تسعفنا لكي نثقف كتاباتنا، وبدرجة أعلى أن نغمرها بقليل من الفلسفة والتجربة الحياتية، هنا، ترتقي الكتابة لتصبح فناً وحرفة، تتغلغل في الوجدان، وتحرك العقل، وتنخر هشاشة العالم، لكي تلتقط أنفس ما في الحياة من جواهر ولآلئ، وأن تمهد أرضاً سالكة تصل بصاحبها إلى عتبات ونوافد وكشوفات ومعارف لا غنى للبشرية عنها.
ليس فوكنر وحده، من انشغل بتفسير القراءة، فمعظم كتاب العالم، ومن واقع خبراتهم الجليلة، قدموا خلاصات ولا نقول –تنظيرات- عن أحوال القراءة والكتابة.. حسناً، هل تريد الهروب دون سفر إلى أي مكان، هل تود أن تتعرف إلى موضوع يشغلك، هل أنت مهتم بمعرفة كيف كانت الحياة في الماضي، كل تلك وغيرها ستجد ضالتها في القراءة، التي ستوفر لك ما هو غير متوقع، لتدرك أن الكتاب هذا الوعاء الأثير للقراءة سوف يمنحك الكثير والكثير.
نحن نقرأ، لكي تكون لكتاباتنا نكهة خاصة بنا، نقرأ، لكي تصبح هناك قوة للكلمات المطبوعة، وهذا يعني أن حرفة الكتابة لا تجامل، والكاتب الرصين لديه جرأة غير معهودة على استنفار الكلمات، لديه جرأة على «قطع» كل كلمة لا تواتي موضوعه.. وهذا يذكرنا أيضاً بالكاتب الأمريكي كورت فونيجت صاحب الرواية الشهيرة «المسخ رقم 5» الذي انشغل بهذا الموضوع فكتب مؤلفه «كيفية استخدام قوة الكلمات المطبوعة» ودشنه بخلاصات ونصائح حول حرفة الكتابة، ومن أجل كتابة حقيقية ورائعة، فهو يقول: «اقتطع من كتابك كل جملة لا تضيف أدنى توضيح لموضوعك بطريقة أو بأخرى، مهما كانت تلك الجملة جيدة وبليغة» كانت هذه العبارة واحدة من نصائح الكاتب تحت البند الرابع الذي عنونه ب «امتلك شجاعة الاقتطاع».
هذه الجرأة، ضرورية تماماً، لنعرف أكثر عن الكتب والمؤلفات، ولندرك أن القراءة توطئة لتقوية نشاط الدماغ، لتجعل العقل البشري يعمل في مجالات مختلفة، ويهوي كالنحلة على كنز طاقة الكلمة وإشعاع الفكرة التي ولدت للتو.
هي القراءة مبتدأ، والفكرة خبر، لا تنسى، وتظل تتوالد لقرون وقرون، تصبح مثلاً، وتصبح حكمة، وتصبح لغزاً، أو وهماً، أو أثراً لفراشة تستنطق الأشياء، وتتوالد من عمق الحادثات وقد امتزجت بهدوء التأمل الفكري وربما الصوفي، والروحي، وذلك الخيط الشفيف ك «نسمة باردة في الصيف».
القراءة كتاب يمكن أن يكون مثل الفأس التي تهشم البحر المتجمد في داخلنا، هكذا قال كافكا، أما عباس محمود العقاد الذي هام بالقراءة، كما هي حال بورخيس وألبرتو مانغويل، فاعتبر القراءة، والقراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان أكثر من حياة واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً وإن كانت لا تطيلها.
أما الكاتب الإنجليزي ستيفن كينغ، فطالما نظر في جانب آخر من القراءة، واستشعر من خلالها سطوة، وسهولة، وحميمية، واستشعر من خلالها هوية ليست تنتمي سوى لذاتها، وربما تنتمي ولو بجزء يسير لكاتبها، ولعلها تتأرجح بشغف وبوعي وبدون وعي، في ملكوت تلك المعرفة الكونية الخالدة، تلك المعرفة الجاذبة والحالمة والمبشرة والمنفتحة على أسرار تلك الكلمات السابحة في الفضاء.
[email protected]
https://tinyurl.com/y48esxjp