أبوظبي وواشنطن.. استراتيجية في العمق

01:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *

في اتصالٍ مرئي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، العلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة بالاستراتيجية، وأكد أنها وثيقة وبنّاءة. وكان حضور سموه شخصياً مراسم توقيع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مجال الطاقة النظيفة، في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ترجمةً واقعيةً لتصوره للمستوى الاستراتيجي للعلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، ودليلاً آخر على توجّه السياسة الخارجية الإماراتية، في مرحلة الانطلاق، القائم على مبدأي التوازن والتنويع تجاه الدول الكبرى.

والحق أنّ التوازن الذي تتبعه دولة الإمارات تجاه القوى الكبرى، ولا سيما المتنافسة منها، مسألةٌ دقيقة للغاية، تتطلب انخراط صانع القرار الرئيسي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، مباشرة في التفاعلات مع هذه القوى. كما أن هذا التوازن يشمل الفاعلين الدوليين والقضايا أيضاً. فيمكن النظر إلى الشراكة التي وقعتها الإمارات مع الولايات المتحدة في مجال الطاقة النظيفة، بقيمة 100 مليار دولار، وتمتد إلى عام 2035، على أنها محاولة إماراتية لتعزيز أمن الطاقة العالمي، الذي تأثر بلا شك بقرار (أوبك بلس) خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم. بل ويمكن الادعاء بأن تأثير توقيع هذه الشراكة على السياسة الداخلية الأمريكية (خدمة أهداف الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس) يوازن تأثير قرار (أوبك بلس) الذي ينظر إليه البعض على أنه يخدم أهداف نظرائهم الجمهوريين.

وبرغم من ملاحظة تقليل مستوى الاهتمام الأمريكي بقضايا المنطقة، وبرود حرارة التفاعلات الخليجية-الأمريكية، تأتي الولايات المتحدة في صدارة الدول التي تستهدف الإمارات تعزيز الشراكة الاستراتيجية معها، وهي شراكة ممتدة ومتنوعة، تمتد إلى المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية، وتاريخية تعود إلى تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1972. ففي المجال الاقتصادي، تعدّ الإمارات أكبر الأسواق الشرق أوسطية بالنسبة للصادرات الأمريكية، التي بلغت نحو 17 مليار دولار عام 2021. وفي نفس العام، بلغت الواردات الأمريكية من الإمارات أكثر من 6 مليارات دولار.

وبالجملة، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين نحو 27.8 مليار دولار عام 2021، بعد إضافة تجارة إعادة التصدير. وفي عام 2019، بلغت الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة نحو 27.6 مليار دولار. وهناك نحو 1,500 شركة أمريكية وأكثر من 60 ألف مواطن أمريكي يعملون في دولة الإمارات. وتشارك الولايات المتحدة في الكونستيريوم الذي تقوده كوريا الجنوبية، والذي أسهم ويُسهم في بناء المفاعلات الإماراتية لأغراضٍ سلمية.

وفي المجال السياسي، تطورت العلاقات بين الدولتين إلى مستوى التعاون الاستراتيجي. وقد ساهمت الإمارات مساهمةً بارزة في الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب الدولي وتمويله في المنطقة وخارجها. وتتعاون أجهزة الأمن في الدولة مع نظيراتها الأمريكية، خاصةً مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي افتتح مكتباً داخل القنصلية الأمريكية في دبي، في مكافحة الإرهاب وتمويله.

وفي المجال الدفاعي، تعدّ الولايات المتحدة من أهم مورّدي السلاح لدولة الإمارات؛ حيث إن أكثر من 80% من إجمالي مبيعات الأسلحة الإماراتية من الخارج تأتي من الولايات المتحدة. وقد شهدت واردات الأسلحة الإماراتية من الولايات المتحدة الأمريكية نمواً هائلاً في الأعوام الأخيرة. ومن أهم الصفقات بين الطرفين صفقة شراء أكثر نظم الدفاع الصاروخي الأمريكية (ثاد THAAD) تقدماً لمواجهة التهديدات الصاروخية.

وقد شاركت الإمارات في 6 ائتلافات دفاعية أمريكية طوال ال30 عاماً الماضية في أفغانستان، ليبيا، الصومال، البوسنة والهرسك، حرب الخليج 1991، وداعش. وتُسهم في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، وأيّدت دولة الإمارات الجهود الدبلوماسية الأمريكية الرامية إلى جعل منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل.

وقد تمّت مأسسة العلاقات الإماراتية-الأمريكية عن طريق تواتر الزيارات بين قادة ومسؤولي البلدين، وإنشاء مجلس الأعمال الإماراتي-الأمريكي عام 2007، وتأسيس منصة حوار رسمي حول السياسة الاقتصادية، وافتتاح بعثة إماراتية في مقر منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي الأولى من نوعها عربياً، وإطلاق الحوار الاستراتيجي بين الدولتين، وتأسيس منتدى «آي تو يو تو I2U2»، الذي يضمّ دولة الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل والهند، للتعاون في المجال الاقتصادي. دون الحديث عن عدد كبير من الاتفاقات، ولاسيما اتفاق التعاون الدفاعي عام 1994، الذي تمّ تحديثه عام 2019، والاتفاق الثنائي للتعاون في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

كل ذلك أهّل العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة لتكون «استراتيجية» بحق، وجعل الإمارات ترقى في التصور الأمريكي إلى وضع «الحليف من خارج الناتو»، تماماً مثل وضع كوريا الجنوبية واليابان.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc2z6swr

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"