التضخم والركود وتأثيرهما في الأسواق

22:13 مساء
قراءة 4 دقائق

فيجاي فاليشا*

تسعى الاقتصادات العالمية اليوم جاهدة للصمود أمام التضخم الكبير، الذي لم يشهده العالم منذ عقود، بفضل السياسة النقدية الفائضة التي اعتمدتها البنوك المركزية الكبرى لمكافحة الوباء. ومع ضخ الكثير من الأموال في النظام وأسعار الفائدة التي تقترب من الصفر في الاقتصادات الكبرى، كان التضخم أمراً لا مفر منه. ومما زاد الأمر سوءاً، اختناقات سلسلة التوريد، وأزمات الطاقة المتفاقمة، بسبب التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، والإغلاق المتشدد بقيادة الصين الذي زاد بشكل كبير من ضغوط الأسعار. ويبلغ التضخم الحالي في الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة 8.5% و9.1% و10.1% على التوالي في حين أظهر التضخم علامات على بلوغ الذروة، إلا أنه لا يزال بالقرب من أعلى مستوياته في أربعة عقود، ويعتقد الخبراء أن التضخم قد يظل ثابتاً ومن الصعب مواجهته.

وعكست البنوك المركزية الكبرى سياستها النقدية المتراخية لمكافحة التضخم، وشددت موقفها؛ حيث رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 225 نقطة أساس. وفي الوقت نفسه، رفع البنك المركزي الأوروبي المعدلات بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماع يوليو/ تموز لأول مرة منذ 11 عاماً. وتتوقع الأسواق ارتفاعاً إضافياً بمقدار 75 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي في الاجتماعات المقبلة. ولسوء الحظ، فإن الناتج الثانوي لخفض التضخم هو عموماً ركود.

عصف بكوكبنا ربعان متتاليتان من الركود الكبير - فبعد الحرب العالمية الثانية، كانت هناك 13 فترة ركود، تليها 3 في القرن الحادي والعشرين (2001، 2008، 2020). ومع ذلك، فإن التعريف الرسمي للركود أكثر توسعاً. فالركود، وفقاً لتعريف المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية هو «انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي المنتشر في جميع أنحاء الاقتصاد ويستمر لأكثر من بضعة أشهر». كما يتضح من البيانات الخاصة بالناتج المحلي الإجمالي والدخل والتوظيف والإنتاج الصناعي والمبيعات. ويعتقد معظم الخبراء والاقتصاديين أن واحداً آخر قد يكون في الطريق. فوفقاً لمؤشر «NYFED Prob» ارتفع احتمال حدوث ركود في الشهور ال 12 المقبلة من 3.7% إلى 17.6% لكنه لا يزال أقل بكثير من أعلى مستوى لعام 2020 عند + 35%.

وتسببت حالات الركود في الماضي في حدوث انهيارات كبيرة في السوق، مما تسبب بتوتر كبير بين مستثمري سوق الأسهم، الذي أدى بدوره إلى تصحيح العديد من الأسهم القيادية بشكل حاد. ومع ذلك، قد لا تتزامن أسواق الأسهم والاقتصاد دائماً مع بعضها. وقد تكون الأسواق في بعض الأحيان بطيئة في الاستجابة للبيانات الاقتصادية، لكن في كثير من الأحيان تدير جبهة سوق الأسهم الاقتصاد. ارتفع مؤشر «S&P 500» بمعدل 1% خلال جميع فترات الركود منذ عام 1945. وذلك لأن الأسواق عادة تتفوق قبل أن يبدأ الركود وينتهي قبل أن ينتهي. بعبارة أخرى، عادة ما ينتهي الأسوأ بالنسبة للأسهم قبل أن ينتهي بالنسبة لبقية الاقتصادات.

إلى جانب ذلك، فإن متوسط العوائد الآجلة لمدة عام واحد وثلاث سنوات وخمس وعشر سنوات لمؤشر«S&P 500» بعد الركود هو +14%، + 30%، + 57% و+ 149% على التوالي. هذه الأرقام لا تشمل حتى أرباح الأسهم الواردة.

والآن يأتي السؤال الأهم، هل يمكن اعتبار أننا اجتزنا المرحلة الأصعب؟ أم أننا سنشهد المزيد من الاضطرابات؟ إن حالة عدم الاستقرار التي يشهدها السوق اليوم لا يمكن اعتبارها بسيطة أبداً؛ بل حتى إن المستثمرين/التجار المخضرمين لا يمكنهم التنبؤ بموعد انتعاش الأسهم. أي أن هناك احتمالاً كبيراً بأن تسوء السوق الهابطة/الراكدة أصلاً قبل أن تتحسن.

كيف يمكن أن تستثمر في سيناريو السوق الحالي؟ تؤكد أوقات مثل هذه، المبادئ الرئيسية للتخطيط المالي. فيجب على المستثمرين الأصغر سناً تخصيص صندوق طوارئ لتغطية ستة أشهر على الأقل من نفقات المعيشة قبل بدء أو إضافة أي استثمار جديد.

إن سوق الاستثمارات اليوم في وضع حرج ومن الصعب التنبؤ بما قد ينتظره من تقلبات؛ لذلك سيكون من الحكمة أن يتجنب المستثمرون الرهانات المحفوفة بالمخاطر. كما يجدر على من لا يستطيع تحمل التقلبات الكبيرة في قيمة محفظته، توخي الحذر بشكل أكبر، والحرص على عدم الانجرار في الصفقات التي قد تتسم بالتهور. ويمكن للمستثمرين اختيار صناديق المؤشرات والصناديق المتداولة في البورصة بدلاً من الأسهم الفردية لإعادة توازن محافظهم. كما يمكن أن يساعد تداول المؤشرات بدلاً من الأسهم في تقليل التقلبات في حساب الفرد. ومن المرجح أن تكون الأسماء الجيدة ذات الميزانيات الثابتة هي أفضل رهان لتجاوز التقلبات؛ لذا يجب أن تكون الأسهم الدفاعية، مثل السلع الاستهلاكية الأساسية والمرافق، جزءاً من محفظة الأوراق المالية، لأنها تميل إلى الأداء الجيد أثناء التباطؤ الاقتصادي وتحقيق التوازن بين عوائد المحفظة.

وبدلاً من التمويل الكلي، سيكون من الحكمة أن يستثمر أصحاب العلاقة في الأصول على فترات دورية، التي تعرف أيضاً باسم متوسط كُلفة الدولار، وبالتالي تقليل مخاطر تقلب الأسعار في السوق؛ حيث يمكن أن يكون متوسط كُلفة الدولار استراتيجية ممتازة في مثل هذه الأسواق. وهي استراتيجية ممتازة للمستثمرين الذين يرغبون في الاستفادة من الانخفاض ولكنهم يخشون المزيد من عمليات البيع. سواء كان ذلك مرة واحدة في الأسبوع أو مرة في الشهر، يمكن للمستثمرين وضع القليل في كل مرة، وهم لا يزالون يستثمرون بطريقة منظمة.

* رئيس قسم الاستثمار في «سنشري فاينانشال»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/eezw5zry

عن الكاتب

كبير مسؤولي الاستثمار «سنشري فاينانشال»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"