الاتحاد صيغة نادرة

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

قام اتحاد دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1971، وكان ذلك على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

في ذلك التاريخ جرى الإعلان عن قيام الإمارات دولة مستقلة ذات سيادة، ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت الإمارات السبع، ترفع عَلَماً واحداً هو عَلَم الدولة، وفي الثاني من ديسمبر من السنة الماضية، كان الاحتفال بمضي نصف قرن من عمر الدولة، وكان الاحتفال نقطة بداية نحو نصف قرن جديد على نفس الطريق.. وهو طريق راحت معالمه تتشكل عاماً بعد عام، بمثل ما كانت ملامحه تتجسّد في مكانها من اللحظة الأولى.

وإذا جربنا أن نتطلع إلى محطات الخمسين سنة من أولها إلى اليوم، فسوف نرى كيف أن الشيخ زايد تولى مسؤولية التأسيس، بكل ما كانت تمثله من مهمة لا ينهض بها إلا الرجال، وكيف أنه تولى من بعدها مسؤولية البناء على ما تم في يوم التأسيس، إلى أن غادر دنيانا في الثاني من نوفمبر 2004 راضياً عما فعل، وآملاً في أن تتواصل المسيرة من بعده إلى ما شاء الله.

ولأنه كان يدرك قيمة أن تكون دولة الإمارات قوية عزيزة الجانب، راح يجهز جيلاً من الأبناء، سوف يتسلم الراية من بعده، وسوف يكون عليه أن يواصل، وسوف يكون عليه أيضاً أن يراعي القواعد التي نشأ على أساسها الاتحاد، وأن يخاطب العصر الذي يعيش فيه.. كان على جيل الأبناء أن يفعل ذلك بالتزامن والتوازي، فلا تنسى الدولة التقاليد الثابتة التي استندت عليها في لحظة الانطلاق، ولا تغفل في الوقت ذاته عن حقائق العصر الذي تتعامل معه، ولا تبتعد عن تطوراته.

وعندما انتقلت الراية إلى المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، في مرحلة ما بعد الأب المؤسس، فإنه حملها رئيساً للدولة، ومضى بثبات وأقام مرحلة التمكين، ومن بعده حملها صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيساً للدولة، ليستكمل خطوات التأسيس والتمكين بالانطلاق إلى رحاب مرحلة العصرنة والتنمية المستدامة، والعبور إلى المستقبل بمبادرات وخطط عشرية وخمسينية؛ بهدف إنجاز ما يجعل من الإمارات دولة قوية وقادرة تواكب الدول الكبرى.

وهذا هو ما جعل الدولة تبدو فتية في كل وقت، وكأنها نشأت بالأمس، وجعلها أيضاً وكأن لها من العمر مئات السنين.

وحين ننتقل بالتأمل إلى مستوى آخر، هو مستوى العلاقة بين كل إمارة على حدة في مرحلة ما بعد قيام الاتحاد، وبين الاتحاد باعتباره الرابط الممتد، سيتبين لنا أن الصيغة التي قام على أساسها صيغة نادرة، لأنها تجعل رابطة الاتحاد حاضرة طول الوقت في أجواء كل إمارة، وفي وجدان كل إماراتي أو مقيم على أرض الإمارات.

إنها صيغة تنجح في كل يوم، ربما لأن «الروح» التي أسس بها الشيخ زايد، رحمه الله، هذه الدولة، كانت روحاً نادرة هي الأخرى.

كانت «الروح» تقول إن هذا اتحاد خرج إلى النور ليبقى، وأن بقاءه مرهون بمبادئ محددة، وأن في المقدمة من هذه المبادئ مبدأ احترام الإنسان داخل الدولة، سواء كان إنساناً وافداً يقيم، أو كان إنساناً مواطناً من أبناء البلد.

وقد امتد هذا المبدأ إلى الإنسان؛ حيث يعيش في كل مكان، ولهذا احتضنت أبوظبي «وثيقة الأخوة الإنسانية» عند صدورها في الرابع من فبراير/شباط 2019 بتوقيع من الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ومن البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان.

كانت الصيغة نادرة بقدر ما كانت الروح المؤسسة قوية، وعليهما مضى الاتحاد يقطع خطواته، ولا يزال، وسوف يظل يواصل الخطوات مستنداً على الصيغة مرة، وعلى الروح مرة ثانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3ayjhf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"