عادي

تاريخ طويل مشترك بين العرب والصين

21:15 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

يخفى على الكثيرين أن المئة عام الواقعة بين عامي 1250 و1350 قد شكلت نقطة تحول أساسية في تاريخ العالم، إنها لحظة مثلت توازناً دقيقاً بين الشرق والغرب، وكانت احتمالات اختلاله لمصلحة أحد القطبين متعادلة، يومها كان الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي تصل البحر المتوسط بالمحيط الهندي هي المجال والعمق والمحور، الذي يقوم عليه التوازن بين الشرق والغرب.

ولذا ما كان من الممكن آنذاك التنبؤ بالنتائج المحتملة لأي تنافس بينهما، ومن هنا كان مهماً جداً الوصول إلى فهم دقيق لما جرى خلال ذلك القرن الخطر، فخلال تلك الحقبة ساد نظام للتجارة الدولية بعيدة المدى، ما بين شمال غرب أوروبا والصين، محدثاً ازدهاراً ومنجزات تقنية بارزة، حتى في الأقاليم التي استوعبت حديثاً.

الدكتور أحمد السعيد في كتابه الصادر عن بيت الحكمة بعنوان «الصين في المخيلة العربية.. البحث عن المشترك التاريخي» يرى أن التبادل المشترك القائم على الاحترام كان عنوان علاقات التجارة بين الصين والعرب منذ العصور الموغلة في القدم، التي يبحث فيها هذا الكتاب، ويوضح كيف أسس الصينيون مع العرب علاقات وطيدة لقرون طويلة، أدت إلى بناء أكبر شبكة تجارية في البر والبحر عرفها العالم، تجارة نمت وازدهرت عبرها مدن وموانئ تأسست على علاقات الاحترام الذي بني على الثقة.

**صورة نمطية

يشير السعيد إلى أننا نقرأ في كتابات الطرفين التي تضم الكثير عن هذا التاريخ المشترك، البعيد والقريب، وهي العلاقات التي أنتجت التأثير والتأثر المتبادل في الفنون والمعارف ما بين الجانبين؛ حيث يقول الكاتب الروماني بلينوس الأكبر الذي عاش في القرن الأول الميلادي: «إن العرب يعيشون على ما تعطيهم البحار»؛ لذا فالصورة النمطية حول العرب قديماً هي قدرتهم على ركوب البحر، وهو أمر بات بحاجة مهمة إلى تحقيقه وتأكيده الآن.

إذ إن الثابت تاريخياً وأثرياً أن اليمنيين والعُمانيين والعرب في شواطئ الخليج العربي ركبوا البحر وتاجروا واستقروا حتى وصلوا إلى أندونيسيا، ومن جنوب شرق آسيا حملوا بضائع الصين إلى موانئ في جنوب شبه الجزيرة العربية ثم نقلها تجار آخرون إلى الشمال، وعلى الجانب الآخر حمل بحارة الصين التجارة الصينية إلى جنوب شرق آسيا والهند، وفي العصور الإسلامية تجاوزوا ذلك إلى ميناء سيراف وميناء عدن، وهناك دلائل على دخولهم البحر الأحمر.

يشير المؤلف إلى أن التجار العرب جلبوا من الصين الخزف والحرير والورق واللباد والقرفة والمصنوعات الذهبية والفضية، والعقاقير والمنسوجات، وقائمة طويلة من المنتجات قدمتها الصين إلى العالم، وصدر العرب إلى الصين الكافور والعاج والنحاس وقرن الكركدن واللبان والصمغ وغيرها.

وفي الفترة ما بين عامي 960 و1280 بلغ عدد السفارات العربية إلى الصين عشرين سفارة، وهدفت إلى توطيد العلاقة مع الصين، ويتم ذكر الأمويين في السجلات الصينية باسم «بابي دا اشي» أي العرب أصحاب الملابس البيضاء، بينما يتم ذكر العباسيين باسم «خايي دا اشي» أي العرب أصحاب الملابس السوداء.

كما يرى مؤلف الكتاب فإن التاريخ يدل على أن الصين من أقدم بلدان العالم بأسره ومن أسبقها إلى المدنية والعمران والثقافة، لكنها بقيت مجهولة منزوية، لا يسمع الناس عنها شيئاً حتى جاء العرب وذهبوا إليها، فكتبوا عنها كتابات كثيرة كانت السبب في توجيه أنظار العالم إليها.

**تواصل حضاري

يوضح السعيد أن الحضارة الصينية حاضرة بقوة في مخيلة العرب، لأنها قديمة جداً كحضارتهم، فضلاً عن كونها الوحيدة التي احتفظت بتواصلها الثقافي منذ الألفية الثانية قبل الميلاد حتى اليوم، ولم يحدث أن اندثرت حضارة الصين في أي فترة من الفترات، على الرغم من فترات الصعود والهبوط والتقدم والتخلف، وهو الأمر الذي حدث لحضارات أخرى اندثرت ولم تعد، وهي بذلك أقدم حضارات العالم الحية، وقد قيل إن الطرق العمومية والترع وجدت في بلاد الصين نحو عام 1715 قبل الميلاد ووجدت البنوك والبارود فيها قبل الميلاد ب 1498.

شكل تاريخ بلاد الصين حلقة مهمة من حلقات التاريخ العالمي؛ وذلك لارتباطه بتاريخ بقية دول العالم في العصور الوسطى، وهذا الكتاب محاولة لإعادة بناء رؤية متكاملة للصين في المخيلة العربية، عبر التاريخ، ومن ثم الذهاب إلى المستقبل عبر أرضية الماضي، الذي كان مزدهراً مشرقاً، حتى غابت شمسه مع حقبة الهيمنة الغربية الأوروبية على العالم، أو بالأحرى على العرب والصين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/32ey67pk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"