اكتشاف قارة أخرى

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

في عام 1972 قام الدكتور يوسف إدريس برحلة إلى قارة آسيا، وعاد بعدها يكتب تفاصيل الرحلة بإعجاب، ثم أصدرها في كتاب سماه: «اكتشاف قارة».

كانت القارة الآسيوية اكتشافاً بالنسبة له، بقدر ما كانت اكتشافاً مماثلاً لكثيرين ممن طالعوا كتابه في وقته، وقد أعلن وهو يقدم للكتاب، أنه نادم على أنه أخّر تلك الرحلة في حياته إلى هذا الحد، وأنه كان يجب أن يبادر بها منذ زمن.

ويمكن استعارة عنوان الدكتور يوسف إدريس، إذا ما أردنا أن نتحدث عن القمة الأمريكية - الإفريقية التي أنهت أعمالها في العاصمة الأمريكية قبل أيام، وحضرها ممثلون عن 49 دولة في القارة، وغاب ممثلون عن 5 دول لم توجه واشنطن لها الدعوة.

والدول الخمس هي السودان “غير المدعو”، ومالي، وغينيا، وبوركينا فاسو، وإريتريا، وهي دول إما أنها تواجه توترات ويعلق الاتحاد الإفريقي عضويتها فيه، وإما أنها دول لا علاقات دبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة كإريتريا على سبيل المثال.

وربما يساور الولايات المتحدة إحساس بأنها تأخرت في اكتشاف القارة السمراء، تماماً كما ساور الإحساس نفسه الدكتور يوسف إدريس في زمانه تجاه آسيا.

وعندما قالت كارين فان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، قبل افتتاح القمة بساعات قليلة، إن نفوذ الصين وروسيا في إفريقيا لن يكون موضوعاً مطروحاً على أجندة الحاضرين، فإن ذلك كان من قبيل المداراة على هدف مهم من بين أهداف الدعوة إلى قمة هي الثانية من نوعها، منذ أن دعا الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى القمة الأولى في عام 2014.

ومن الواضح أن القمة الأولى لم تحقق ما كان مرجواً منها على المستوى الإفريقي، وإلا ما كان الرئيس السنغالي ماكي صال، رئيس الاتحاد الإفريقي، قد استبق انعقاد أعمال القمة فقال، إن الطرف الآخر لا يستمع إلى إفريقيا، وإذا استمع إليها فليس بما يكفي.

وقد جاء هذا المعنى على لسان الرئيس صال، وكأنه رسالة غير مباشرة إلى الرئيس الأمريكي، لعل ثماني سنوات منذ أن انعقدت القمة الماضية إلى انعقاد القمة الحالية، تكون قد غيرت من نظرة الأمريكيين إلى القارة، ولعل ذلك يتضح في خلال هذه القمة ثم بعدها.

وربما يكون الرئيس السنغالي قد قال هذا الكلام، وفي ذهنه الزيارة التي قام بها بايدن إلى شرم الشيخ في الشهر الماضي لحضور قمة المناخ العالمية.

ففي أثناء حضوره أعلن الرئيس الأمريكي تقديم 150 مليون دولار للقارة الإفريقية، وقال إن المبلغ يمثل مساهمة من جانب بلاده لمواجهة تداعيات تغيرات المناخ في إفريقيا.

وهي مساهمة مشكورة، ولكنها عند التقييم الموضوعي لها، لا تمثل المساهمة المنتظرة من دولة في مكانة الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث حجم اقتصادها، والتي تساهم بنصيب كبير في مسببات تغيرات المناخ في أنحاء العالم، بحكم أنها دولة من الدول الصناعية الكبرى، وبحكم ما تفرزه صناعتها من مخلفات تلوث البيئة بطبيعتها.

والذين تابعوا أعمال القمة في أيامها الثلاثة، لا بد أنهم لاحظوا أنها كانت استكشافاً للقارة السمراء، كما كانت اكتشافاً لهذه القارة على طريقة يوسف إدريس أو إعادة اكتشاف.. كما أنها كانت نوعاً من الحصار الأمريكي للنفوذ الروسي فيها، بمثل ما كانت تطويقاً أمريكياً للنفوذ الصيني في القارة كلها، حتى وإن كانت المتحدثة باسم البيت الأبيض قد نفت ذلك واستبعدته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jybyay9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"