عام النزاعات والحروب

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

ها هو ذا عامنا الجديد يفتح لنا صفحة من صفحات العمر، ليستقبلنا بأرقامه الجديدة 2023، ونداءاته البعيدة التي لا ندري مداها. نودع عاماً مضى، لكنه لم يمض ساكناً، بل غيّر وجه العالم كسلفه؛ هذا العام التاريخي 2022 بما حواه من تطورات وتحولات كبرى غطت العالم، والتي عمت الكثير من النظم والتيارات والإيديولوجيات، حيث تمت غربلة حقيقية لكل ذلك الإرث السياسي والتاريخي والعسكري والثقافي، والحروب الاقتصادية.

ومع هذه الجراح والآلام لا يزال يحدونا الأمل بأن نرى العالم من حولنا وقد تخلص من مشاكله، وعاد إلى سكونه وأمنه. لكن الواقع ينبئ بغير ذلك بسبب تلك الصراعات الخفية والمعلنة بين القوى الكبرى، والتي قد تزيد من المخاطر العالمية في المقبل من الأيام، فمن المرجح ألا يكون ثمة هدوء. فعلى الصعيد العسكري، ستتواصل الحرب المفتوحة بين روسيا وأوكرانيا، ومن خلف هذه الأخيرة حلف الناتو، حتى يكسر أحد الطرفين الآخر، ولن يكون هناك اتفاق على حلول وسط، وعلى الأغلب سيكون العام المقبل هو عام الحسم في تلك الحرب. ولا نعلم من سيكون المنتصر، بعد أن غيّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حسابات العالم في كل المجالات، حين تحكم في أسواق البترول، وغيّر معادلات الغذاء، وتحكم في القمح والسلع الغذائية، وتصدّى لسياسة القطب الواحد، وجعل أمريكا وأوروبا تعيدان النظر في مواقفهما في كل قضايا العالم، ووضع العالم على أبواب نظام جديد بعد اجتياح أوكرانيا، ما قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى إحياء فكرة إنشاء جيش خاص به للدفاع عن مصالحه، ذلك أن الأوروبيين طرحوا هذه الفكرة منذ سنوات عدة، خصوصاً في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي اتخذ سياسات بعيدة عن أوروبا، غير أن تلك الفكرة لم تلقَ التأييد الكافي من دول الاتحاد، ولذلك، فإن الأوروبيين لن يكتفوا بالتحالف بعد ذلك مع الولايات المتحدة، بل سيعملون على إنشاء جيش أوروبي خاص بهم يتولى الدفاع عن مصالحهم، لكن ذلك يحتاج إلى أن تتخذ الولايات المتحدة خطوة إلى الوراء في دورها كحامٍ لحلفائها في أوروبا، وهو أمر يبدو من غير المرجح أن يفعله الرئيس، جو بايدن، والمجمع الصناعي العسكري الأمريكي.

وبخصوص الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، فإن تلك الحرب سوف تتواصل وتشتد، خصوصاً أن الصين ستحاول مواصلة التأثير في دول المحيط الهادئ، من أجل جذبها إليها وتحجيم الوجود الأمريكي في ذلك المحيط، وفي المقابل ستواصل الولايات المتحدة سياسة حشد الحلفاء من أجل محاصرة الصين، وكانت أعلنت، بالتحالف مع أستراليا والهند واليابان، عن إقامة مشروع إقليمي مشترك للبنية التحتية مصمم كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية الضخمة ومحاولة لمواجهة النفوذ الجيوسياسي المتزايد للصين.

وفي الوقت نفسه، أقامت تحالف «أوكوس» وهو الحلف الذي يضم، إضافة إليها، كلاً من بريطانيا وأستراليا وكندا، بهدف تضييق الحصار العسكري على الصين، ورصد تحركاتها، وكشف أسلحتها لمنعها من التفوق على دول الحلف. وبالنسبة إلى تايوان، فمن غير المرجح أن تتغير سياسة الصين نحوها، لكن لن تكون هناك، على الأغلب، عملية عسكرية صينية لاستعادة الجزيرة، بل سيبقى الموقف يتراوح بين الشد والجذب.

أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط والعالم العربي فمن المستبعد أن تحدث أحداث عسكرية كبيرة، بل سيبقى الموقف، في بعض الدول التي تشهد توترات وانقسامات داخلية، على حاله، ومن المستبعد أن تعود الفوضى من جديد إلى بعض الدول التي شهدت فوضى من قبل، بل سيتم التركيز بشكل أكبر من قبل الدول الكبرى على جذب الحلفاء، مع اشتداد وتيرة الصراع بين تلك الدول في العالم.

وبالنسبة إلى الجانب الاقتصادي، فمن المرجح أن يتواصل التضخم، وأن يرتفع سعر الذهب في العالم بسبب مواصلة انحدار الدولار، وسوف تشتد الحرب الاقتصادية بين الدول الكبرى المتصارعة، ما قد يؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد، أو عرقلة تدفق السلع الأساسية عبر العالم، غير أن أزمة الوقود ستدفع الغرب إلى حشد طاقاته للوصول إلى اكتشاف علمي جديد يمكنه من التخلص من الاعتماد بشكل كامل على الوقود، ويوجد اليوم ما يسمى «الهيدروجين الذهبي»، وهو العنصر الذي يعقد الغرب آمالاً كبيرة على تحويله إلى بديل دائم وآمن للطاقة.

أما بالنسبة إلى سياسة دولة الإمارات، فإنها سترتكز على توسيع آفاق التعاون السياسي والاقتصادي مع دول العالم، منطلقة من مفاهيم الاعتدال والعقلانية، ما شكّل لها نموذجاً في فكرها السياسي، وكثيرة هي الشواهد والنتائج التي يمكن استخلاصها من عام مضى. واستطاعت الدولة في عام واحد أن تحقق ما عجزت عنه دول كبرى، ولعل حالة الاستقرار والنماء والتطور التي تتمظهر في كل الجوانب والمجالات، وعلى كل الصعد، تستمر طويلاً مع صلابة البنية المؤسساتية التي يتميز بها هذا الوطن الكبير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p87ucfr

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"