سنة 2023.. أزمات وخياران

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

مرّت سنة 2022، وقد طبعت تاريخ البشرية بحرب إقليمية لا تقلّ خطورة عن جائحة «كوفيد 19» التي أرهقت الحكومات والشعوب، على حدّ سواء، ما يجعل العالم في هذه السنة الجديدة أمام أزمات وليدة جديدة، وأمام خيارين لا ثالث لهما في اعتقادنا.

في تاريخ البشرية الطويل، لطالما كانت الأوبئة والجفاف والأزمات المالية العالمية مُنتجة لحروب وصراعات لا تنتهي، وعالمنا الراهن لا يخرج عن هذا السياق، برغم كل الوسائل المتاحة لتثبيت سلام عالمي شامل. وعليه فإنّ الجائحة، ومخلّفاتها، وحرب أوكرانيا، وامتداداتها الأمنية والاقتصادية خاصّة، ستكون محدّداً مهمّاً للوضع العالمي في السنة الجديدة، ولذلك نعتقد أنّه لا خيار أمام قادة العالم سوى خيارين اثنين، بعد أن بلغت الأزمات مداراتها القصوى.

لا شكّ في أن تبعات الجائحة وتراجع الموارد المالية للحكومات وزيادة نسب الدين الخارجي لكثير من الدول متوسطة الدخل، أو ضعيفته، قد جعلت الحكومات تسعى جاهدة إلى التحكم في الموازنات المالية، وكذلك في حجم السخط الشعبي الذي يتزايد من شهر إلى آخر، تزامناً مع إظهار الحكومات مقاومة ضعيفة لتلك الارتدادات المالية والاقتصادية. وهذه الأزمات كفيلة بأن تغذي مظاهر النزوح والعنف والجريمة بكل أشكالها، وعلى رأسها طبعاً جريمة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعيّة، وهي قضايا تؤرّق فعلاً الحكومات الغربية، وتجعلها عاجزة عن منع تدفق المزيد من المهاجرين غير الشرعيين إليها.

الأزمة الأخرى التي لا تقل خطورة في المستقبل عن هذه الأزمات التي تعيشها الدول الفقيرة أو متوسطة الدخل، تتعلق بوضعية الدول الغنية نفسها، فمستويات التضخّم في ارتفاع مستمر، ومشاعر الإحباط لدى فئات واسعة من الشعوب الأوروبية والغربية عموماً، تزداد حدة هي الأخرى، ما يجعل الحكومات التي دعمت حرب أوكرانيا وتسببت بأزمات طاقة لم يعهدها المواطن الغربي «المترفّه»، في ورطة وفي أزمة مركّبة قد تجعلها تواجه شتاء ساخناً على المستويين الاجتماعي والأمني.

أمام هذه الأزمات شديدة الخطورة نعتقد أنّ صناع القرار في مختلف أنحاء العالم هم أمام حلّين اثنين، الأول هو خيار السلام وإنهاء الحرب الأوكرانية، مع فرض قواعد تفاوض جديدة لسلام مستدام يسمح بعودة إمدادات الطاقة إلى مستوياتها الطبيعية، ويعدّل سلاسل الإمداد الغذائي، لأن موجات الجفاف المستمرة في مناطق عدة في العالم، خاصة في حوض المتوسط، ستكون لها انعكاسات خطرة جداً على الاستقرار العالمي، فدول حوض جنوب المتوسط تعيش، منذ فترة، على وقع موجات هجرة من دول جنوب الصحراء الكبرى، وهذه الموجات آخذة في الازدياد، وهي تهدد دول الشمال بموجات نزوح أكبر.

من هنا تصبح مسألة إنهاء الحرب أولوية مطلقة، لا للدول الفقيرة، بل للدول التي أشعلت نارهذه الحرب، وتكتوي الآن بنيرانها. السلام هو الخيار الوحيد الذي سينقذ شعوب العالم من كل المخاطر التي تهدد أمنهم وغذاءهم ومستقبلهم بصفة عامّة، وإذا ما أنكر قادة العالم هذه الحقائق وقرّروا الاستمرار في لعبة كسر العظام بين «الشرق» و الغرب» فإنّ الحريق سيلتهم الجميع، وستسقط كلّ القيم التي تجعل العيش المشترك واقعاً معيشاً في المستقبل.

إن الاستمرار في نسق الصراعات وإشعال فتيل الحرب، هنا وهناك، هو اعتداء على حقوق الشعوب الأخرى في العيش الآمن، وانتهاك لمبادئ حقوق الإنسان التي شرّعها الغرب نفسه. ومن هنا فإن خيار الحرب إن ظلّ قائماً ستكون نتائجه مريرة وقاسية على كل الشعوب، وحتى تلك الدول التي تعتقد أنها تنعم بالاستقرار ستكون، بصورة أو بأخرى، ضحية مستقبلية لهذه النزاعات، لأن الحرب تطلق شظاياها كما «الجائحة»، في كل الاتجاهات، ولا يمكن لأحد أن يكون في مأمن منها.

السنة الجديدة ستكون سنة الحسم، فإما سلام وأمن وعلاج لتداعيات الأزمات المتتالية منذ عام 2008، أي منذ أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وإما النزوع إلى صدامات أكثر دموية، وأكثر جنوناً. وإن عالمنا المثقل بتاريخ طويل من هذه الصراعات ربما لن يكون بمقدوره تحمّل المزيد منها، فعسى أن تكون سنة 2023 سنة السلام والوئام الإنساني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2kcdbd43

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"