العراق أولوية قومية

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

صلاح الغول *

استضافة العراق «خليجي 25»، في البصرة، وبعد 43 عاماً من غياب بطولة كأس الخليج العربي عن بلاد الرافدين، في أول جمعة من العام الجديد، هي بشارة خير للعراق الذي يمر بمرحلة نقاهة بُعيد معجزة التعافي من عقود من الحروب والحصار والإرهاب والفتن. وكما يقول المختصون، تتوافر لدورة «البصرة» من مصادر النجاح، ولاسيما الشغف العراقي بالحدث والتنافسية عالية المستوى بين المنتخبات المشاركة التي يطمح معظمها إلى انتزاع اللقب؛ ما يؤهلها لتكون صفحة بارزة لأقدم بطولة كروية في المنطقة.
 بيد أنّ انطلاق «خليجي 25»، ومشاركة «الأبيض» فيها، التي يحدونا الأمل أن يفوز باللقب الخليجي للمرة الثالثة بعد انتزاعه لقبي النسختين رقم 18 في أبوظبي، و21 في البحرين، يقودني إلى فتح ملف السياسة الإماراتية تجاه العراق، ودورها في مساندته على الصعد كافة، حتى يعبر أزماته السياسية والاقتصادية المتراكبة، ويحافظ على تكامله الوطني وسيادته وأمنه واستقراره، ويعاود نهضته التنموية.
 وقد شاركت الإمارات في قمة بغداد الثانية للتعاون والشراكة التي عقدت في 20 ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، في الأردن، ممثلة بصاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، الذّي كرر أبعاد السياسة المعيارية الإماراتية تجاه العراق، التي تتمثل في دعم «الأمن والاستقرار والازدهار للعراق وشعبه، ومواجهة التدخلات الأجنبية في شؤونه الداخلية ومحاولات النيل من سيادته واستقلاله وسلامة أراضيه»، و«مواصلة العمل من أجل نبذ العنف والتطرف والكراهية». وكانت الدولتان جمعتهما قمة عربية خماسية في العلمين بمصر، في أغسطس/ آب الماضي، التي ناقشت ملفات عدة، من بينها أمن الخليج العربي، ودعم استقرار العراق في ظل أزمته السياسية آنذاك، ودعم حكومة تسيير الأعمال في العراق برئاسة مصطفى الكاظمي (مايو-أكتوبر 2022) لدرء الفتنة، وإعادة الأمن إلى العراق.
 وقد عملت الإمارات على إعادة هيكلة علاقاتها مع العراق بعد عام 2003 على أساس المصالح المتبادلة، وعلى أساس قومي طالما أهمله المراقبون؛ يتلخص في أولوية الوقوف بجانب العراق في محنته، وإعادة دمجه في الإطار العربي، حتى لا يشرد بعيداً عن السرب. وفي هذا الخصوص، عملت الإمارات على إسقاط جميع الديون المترتبة على العراق، والمشاركة في إعادة إعماره، وتوجيه استثماراتها إليه.  وتوجت السياسة الإماراتية الجديدة تجاه العراق بزيارة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، لبغداد، وإعادة افتتاح السفارة الإماراتية هناك، في يوليو/ تموز 2008. 
 وبذلت الإمارات مساعيها الدبلوماسية لرفع العقوبات الدولية عن العراق؛ ومن ثم أيّدت قرار مجلس الأمن الدولي في عام 2013 الذي رفع هذه العقوبات جزئياً، وتحويل القضية العراقية من الإنضواء تحت أحكام الفصل السابع إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، واعتبرت ذلك دليلاً على الاعتراف الدولي بجهود العراق في طيّ صفحة الماضي وتسوية مشكلاته الداخلية والخارجية.
 وكان موقف الإمارات حازماً في دعم حكومة العراق للتصدي للموجة الإرهابية التي قادها «داعش» في بلاد الرافدين عام 2014. وتتالت الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين على أعلى المستويات. وبرغم اللغط الذي تثيره بعض القوى السياسية والبرلمانية العراقية من حين لآخر بشأن الموقف العراقي من الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، فإنّ الموقف الرسمي العراقي هو التأييد المطلق لحق الإمارات في جزرها المحتلة، ودعم كل الإجراءات والوسائل السلمية التي تتبعها أبوظبي لاستعادة السيادة عليها، ورفض الإجراءات الميدانية الإيرانية في الجزر المحتلة. وكان موقف الإمارات حازماً أيضاً في تأييد التكامل الإقليمي للعراق بُعيد إجراء استفتاء الاستقلال في إقليم كردستان-العراق في خريف 2017.
ومنذ تشكيل اللجنة العراقية-الإماراتية المشتركة عام2002، تنامت العلاقات الاقتصادية بين البلدين حتى أصبحت الإمارات الشريك التجاري الأول للعراق، الذي يأتي خامساً على قائمة أكبر الشركاء التجاريين لدولة الامارات، بعد الصين والهند والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.  فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق والإمارات، بما في ذلك تجارة إعادة التصدير، 28.6 مليار دولار في عام 2021، وبمعدل نمو يتراوح بين 6% إلى 8% سنوياً.
 والخلاصة، أنّ البعد المهمل من جانب المراقبين في السياسة الإماراتية تجاه العراق يتمثل في البعد القومي؛ فدولة الإمارات ترى أن ثمة أولوية قومية عربية في دعم العراق للحفاظ على سيادته وتكامله الإقليمي واستقراره السياسي، ودمجه في الحاضنة العربية حتى لا تجذبه تيارات وقوى معادية للأمة العربية.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/psxene2v

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"