دبلوماسية المغرب.. توجهات جديدة

00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

مرّ عام 2022 حافلاً بالأحداث والمحطات التي تحركت خلالها الآلة الدبلوماسية للمغرب، وتبيّن معها أن السياسة الخارجية للبلاد بدأت تأخذ توجهات جديدة، انسجاماً مع التطورات المختلفة التي شهدها المغرب من جهة، والتحولات التي بات العالم يشهدها خلال الفترة الأخيرة من جهة أخرى.

فقد عرفت العلاقات المغربية – الإسبانية أزمة حقيقية وصلت حد استدعاء سفيرة المغرب في إسبانيا، بعد إقدام سلطات مدريد على استقبال زعيم البوليساريو فوق أراضيها بهوية مزيفة ودون إشعار المغرب بالأمر. ما أفرز مناخاً من الشك بصدد مستقبل العلاقات بين الجارين، اللذين تربط بينهما الكثير من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، والملفات المشتركة كقضايا الهجرة والتعاون الأمني. وقد عبّر المغرب في أعقاب ذلك عن رفضه المطلق لأية شراكة انتقائية وغير متوازنة لا تستحضر مصالحه المختلفة، بما فيها قضية وحدته وسيادته على أقاليمه كاملة.

وقد انتهت الأزمة على إثر التحرك الدبلوماسي المغربي، بحدوث تحول جذري في الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية، من موقف ضبابي إلى توجه واضح يدعم مشروع الحكم الذاتي في الصحراء باعتباره حلاً واقعياً ومستداماً، وهو ما شكّل دفعة قوية للعلاقات بين البلدين، وأتاح الدفع بعجلة تطوير الشراكة القائمة بينهما.

تمكن التحرك الدبلوماسي المغربي أيضاً من إرساء علاقات أكثر توازناً مع ألمانيا، بعد فترة من الجمود، جراء «خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية»، وبخاصة بعدما أصدرت وزارة الفيدرالية الألمانية للشؤون الخارجية بلاغاً اعتبرت فيه أن مخطط الحكم الذاتي يمثل «مساهمة مهمة» للمغرب في تسوية النزاع حول الصحراء، كما اعتبرت أن المملكة المغربية تمثل «شريكاً رئيسياً للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال إفريقيا»، وهو ما جعل هذه العلاقات تشهد تطوراً ملموساً خلال عام 2022.

ومنذ إعلان الجزائر القطيعة مع المغرب من جانب واحد في أواخر شهر/آب من عام 20ً21، ظلت دبلوماسية المغرب القائمة على سياسة اليد الممدودة حاضرة، وعياً بما يواجه المنطقة المغاربية من تحديات، تفرض التكتل واستحضار المشترك بين الشعبين الجارين، وهو ما عكسته مضامين خطاب الملك محمد السادس في ذكرى عيد العرش لعام 2022، حيث تم التأكيد أن «الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبداً حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم..»، والتطلع «للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يداً في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك»، وفي هذا السياق وتجسيداً لهذه السياسة القائمة على تعزيز العمل العربي المشترك، حرص المغرب على حضور القمة العربية التي احتضنتها الجزائر في عام 2022.

ومن جانب آخر، شهدت العلاقات المغربية – التونسية أزمة حقيقية، عندما أقدم الرئيس التونسي وبشكل مفاجئ، وغير مسبوق ضمن أعراف السياسة الخارجية للبلاد، بتخصيص استقبال رسمي لزعيم جبهة البوليساريو، في إطار استضافته لأجل المشاركة في أشغال القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني – الإفريقي (تيكاد)، التي احتضنتها تونس أواخر شهر آب لعام 2022، وهو ما كان سبباً في مقاطعة المغرب لأشغال القمة واستدعاء سفيره إلى الرباط للتشاور.

ومن جانب آخر، وتماشياً مع التوجهات الدبلوماسية الجديدة للمغرب التي أصبحت تأخذ بعين الاعتبار في تحركاتها موقف الدول من قضية الصحراء المغربية، شهدت العلاقات المغربية- الفرنسية نوعاً من الفتور في سياق أزمة صامتة بين الجانبين، مع تشديد فرنسا لإجراءات حصول المواطنين المغاربة على تأشيرة الدخول إلى أراضيها، واستمرار باريس في مواقفها غير الواضحة، بصدد قضية الصحراء المغربية، وقد شكلت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية للمغرب قبل أسابيع فرصة لإعادة الدفء للعلاقات بين البلدين، غير أن ذلك ما زال بحاجة إلى جهود.

أما فيما يتعلق بالدائرة الإفريقية، فقد تم انتخاب المغرب عضواً في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي للفترة 2022- 2025 ابتداء من فاتح أكتوبر من عام 2022 ورئيساً لمدة شهر لهذه الهيئة التقريرية للاتحاد. وهو ما يتيح له فرصاً فيما يتعلق بدعم التعاون الإفريقي المشترك، والانكباب على القضايا الحقيقة التي تهم القارة، في علاقة ذلك بتدبير الأزمات وإرساء السلم والاستقرار والأمن الشامل، وتحقيق التنمية، وتعزيز حوكمة الاتحاد وتطوير أدائه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y4b5aca8

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"