اختراع العجلة في البرازيل

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

لا شك أن الأول من يناير (كانون الثاني) كان يوماً سعيداً في حياة البرازيليين، ولماذا لا يكون كذلك وهو اليوم الذي عاد فيه لولا دا سيلفا إلى القصر من جديد؟

كان الرئيس لولا قد حكم من قبل مرتين، إحداهما بدأت في 2003 والثانية بدأت 2006، وكانت كل مرة أربع سنوات، وكان الشيء الذي بقي في البلد من بعده، أن فقراء البرازيل كانوا 50 مليوناً قبل مجيئه، فانخفض عددهم إلى النصف يوم غادر القصر في المرة الثانية.. وكان هناك شيء آخر بقي من بعده لبلاده، هذا الشيء هو أنه الرجل الذي أدخل البرازيل عضواً في مجموعة «البريكس» التي تضم روسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، وجميعها دول تتميز بمعدل نمو اقتصادي هو الأسرع في العالم.

وسوف تبقى حكاية حكومته مع الفقراء نموذجاً يفرق بين الحكومات التي تتحدث عن مكافحة الفقر، والحكومات التي تحول حديثها عنه إلى فعل على الأرض، وقد فعلت حكومته ذلك وبالأرقام، وقد عرفنا دائماً أن الأرقام كالصور لا تكذب، وأن لسانها في الغالب هو الحقيقة.

كان لولا نموذجاً للرجل المكافح الذي لم يكمل تعليمه، والذي عمل ماسح أحذية في مرحلة من مراحل حياته، والذي صار على رأس دولة كبيرة في حجم البرازيل.

وهو في عودته لم يكن في حاجة إلى بذل جهد كبير على سبيل الدعاية الانتخابية، لأنه لا يوجد برازيلي لا يعرفه، وإذا لم يكن يعرفه فلا بد أنه سمع عنه من أمه أو من أبيه، وربما يكون واحداً من الذين غادروا دائرة الفقر على يديه في العقد الأول من هذا القرن.

وعندما جاء ليدعو الناخبين لاختياره في هذه المرة، لم يشأ أن يقول شيئاً لناخبيه، سوى أنه سوف يقاوم الفقر مرةً ثالثة، ولأن الناخبين رأوه وهو يقاومه من قبل مرتين اثنتين، فإنهم صدقوه وانتخبوه في مواجهة المرشح المنافس بولسونارو.

وعندما حضر مؤتمر المناخ في شرم الشيخ كان نجماً وسط الرؤساء المدعوين، لأنه مهتم بقضية البيئة التي كان المؤتمر ينتصر لها، وكان انتصاره لها من جانبه على طريقته، فعرض أن تستضيف بلاده دورة مقبلة للمؤتمر في غابات الأمازون التي تقع في البرازيل، والتي يقال عنها إنها رئة الأرض.. ولن يختلف انتصاره للبيئة عن انتصاره للفقراء.

وقد عشنا ولا نزال نحفظ قول الإمام علي بن أبي طالب الذي يقول فيه: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. والمعنى أنه لا شيء أجدى بالمطاردة من جانب كل حكومة أكثر من الفقر، وأن ما قاله رابع الخلفاء الراشدين، لا بد أن يكون أمام عين كل حكومة تجلس في مقاعد الحكم.

ولا نعرف ما إذا كان الرئيس لولا دا سيلفا قد سمع بالإمام علي أم لا، ولكن ما رأيناه طوال السنوات الثماني له في الحكم أنه كان يضع مقولة رابع الخلفاء الراشدين أمامه، وأنه ذهب إلى العمل بها لا الحديث عنها، وأن عمله بها كانت له حصيلة أحس بها 25 مليون مواطن، وأن هذا العدد من البرازيليين قد انتقل من الحياه البائسة إلى الحياه التي تراعي آدمية الإنسان.

ما أحوج العالم إلى دراسة تجربة هذا الرجل في البرازيل، وما أحوج شتى الحكومات إلى النظر في مشوار الأعوام الثمانية لدى حكومته، حتى لا تظل تحاول اختراع عجلة سبق بها الرئيس لولا واخترعها من زمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvbb4cx9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"