وجه الضرورة في مذكرات هاري

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

استعمل الأمير هاري النجل الأصغر للملك تشارلز الثالث، كلمة واحدة لوصف مذكراته التي طرحها في الأسواق قبل أيام فقال عنها إنها «ضرورية».

قال ذلك في حديث له مع قناه تلفزيونية، ولم يفصح طبعاً عن السبب الذي يجعل من مذكراته «ضرورية»، ولكن الغالب أن هذا السبب سيتضح حين تأخذ المذكرات طريقها إلى القراء، وحين يبدي هؤلاء القراء آراءهم فيها وفي مضمونها بالذات.

لقد اعتدنا في المذكرات السياسية أو غير السياسية عموماً، أن يكتبها أصحاب التجارب العريضة بين البشر، وأن تصدر لتنقل تجارب أصحابها في الحياه إلى سواهم من سائر الناس، وأن يكون ذلك من قبيل استفادة كل جيل من تجربة الجيل السابق عليه.

وتستطيع من خلال استعراض شتى المذكرات التي صدرت قبل مذكرات هاري، أن تكتشف أن هذه السمات تميّزها جميعاً دون استثناء.. فقبل أن تمتد يد أي قارئ إلى أي مذكرات في أي مكتبة، فإنه يتطلع إلى غلافها أولاً، ليرى اسم كاتبها، وما إذا كان صاحب هذا الاسم ذا تجربة في مجاله بالفعل أم لا، ولا يختلف الأمر بعد ذلك في أن يكون صاحب المذكرات فناناً كبيراً، أو سياسياً يعرفه الناس، أو أديباً يشار إليه، أو مفكراً له أفكاره وآراؤه التي يشتهر بها بين القراء. فأين موقع الأمير هاري بين هؤلاء كلهم، بينما هو شاب في ريعان شبابه، ولا تتجاوز سنوات حياته الثامنة والثلاثين من العمر؟

هو بالتالي في سن لا يمكن معها القول إن صاحبها يحمل تجربة عريضة في الحياه، ولا فرق بعد ذلك بين أن يكون صاحب التجربة هو هاري أو سواه من البريطانيين أو غير البريطانيين، ولكن هذا لا ينفي أنه في المقابل، يحمل الكثير مما يميزه عن ملايين الملايين من الشباب في مثل سنه على مستوى العالم.

وقبل أن يحمل هذا الكثير الذي يميزه، فهو يحمل روح والدته الأميرة ديانا التي لقيت مصرعها في حادث شهير في باريس عام 1997.

إنه يحمل الروح التي كانت أمه تحملها، وقد كانت روحاً متمردة في الأساس، وكانت تلك الروح الغريبة على طبيعة الأسرة الحاكمة في بريطانيا، هي التي قادتها إلى حتفها في عاصمة النور، وهي التي صنعت منها ما يشبه الأسطورة بعد مماتها.

ولا بد أن كثيرين ممن سيطالعون مذكراته، سيطالعونها وهُم يريدون أن يعرفوا ماذا بالضبط سيقول عن الأم الراحلة.. صحيح أنها رحلت قبل ربع قرن، وصحيح أنه كان يومها كان في الثالثة عشرة من عمره بالكاد، ولكنه بالتأكيد سمع عنها ممن حوله بعد وفاتها، ويستطيع أن يضيف لقارئ المذكرات ما لا يعرفه عن حياة الأميرة الشهيرة.

وكثيرون آخرون سيكونون على درجة كبيرة من الاشتياق لمعرفة ما كان بين الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، وحفيدها الأمير الصغير، فلقد عاشت حتى كانت على مشارف المئة عام، وكان بينها وبين هذا الحفيد ما يقرب من ستين سنة من سنين العمر، وعندما تكون الفجوة العمرية بهذا الاتساع، فإنها تُغري الذين كانوا ينتظرون صدور المذكرات بالتعرّف إلى ما كان بين الملكة الجدة والأمير الحفيد، وبكل ما يمكن أن تشتمل عليه التفاصيل من عناصر الإثارة والتشويق.

هذه مذكرات لا تكتسب ضرورتها التي وصفها بها صاحبها من عدد سنين عمره، ولا من تجربته الحياتية، ولكنها تكتسب ضرورتها مما كان يعيشه في القصر، بدءاً من لحظة اكتمال وعيه إلى أن تمرّد مغادراً حياة القصور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc7ectv3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"