آرنست همنغواي..الجائع في باريس

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

هل كان آرنست همنغواي شرهاً تجاه الطعام، كما كان شرهاً تجاه الحياة نفسها التي عاشها ملاكماً، وصيّاداً، ومراسلاً حربياً، وكاتباً في أكثر من مكان، وأكثر من مزاج لينتهي به كل هذا التنوّع الحياتي إلى الانتحار ببندقية صيد لم يصطد بها إلاّ ذاته الجائعة أبداً للحياة؟
«وليمة متنقّلة» كتاب نقله إلى العربية المترجم العراقي علي القاسمي بخبرة الكاتب أو خبرة المترجم الذي فحص جيداً العاصمة الفرنسية باريس حيث عاش همنغواي من عام 1921 وحتى عام 1926، ليكتب مدينة النور أو عاصمة النور بوصفها وليمة متنقّلة. وبالفعل، ما أكثر المطاعم والعشاءات التي وصفها صاحب «الشيخ والبحر» وهو جائع دائماً، لا بل إن قارئ هذا الكتاب تنتقل إليه عدوى الجوع وربما الشراهة في تناول الأكل، كما كانت شهية همنغواي الشاب في أثناء عيشه في باريس التي فتنته أيضاً آنذاك بسباق الخيول ودخوله رهانات عليها حدّ المقامرة، ثم الجوع مرة ثانية بعد كل مغامرة من هذا النوع الذي يشبه لعبة الروليت.
جوع همنغواي كان ذا طبيعة غرائبية، فهو كان يشعر بالجوع عقب انتهائه من الكتابة، يقول:«طلبت من النادل أن يجلب لي اثنتي عشرة محارة من المحارات البرتغالية، ونصف غرافة من الشراب الأبيض الموجود لديهم، فبعد كتابة كل قصة كنت أشعر بالجوع». المهم سيأكل همنغواي المحارات التي وصفها بأنها مفعمة بمذاق البحر القوي وبطعمها المعدني الخفيف، وبعدما شرب السائل البارد من كل محارة زال عنه الشعور بالجوع « وأخذت أحسّ بالسعادة، فرحت أخطط للغد».
لا ينتهي جوع آرنست همنغواي عند حدّ التهامه اثنتي عشرة محارة وغرافة من الشراب الأبيض، بل في مكان آخر يقول إنه يشعر دائماً بالجوع بعدما يمشي أو يعمل أو حين يكون الطقس بارداً.«كنت أحتفظ في غرفتي بقنينة من ماء الكرز، وأتناول منه حين أقارب نهاية كل قصة».
ذات يوم تناول همنغواي طعام الغداء في مطعم باريسي كالعادة: قليل من الفجل وكبد العجل مع البطاطا المطحونة وسلطة الهندباء ثم كعكة تفاح. أما سمك الغجوم الأطيب مذاقاً من السردين عند همنغواي فيأكل منه ملء الصحن.. «ويؤكل عادةً بأكمله مع عظامه الناعمة».
يقول همنغواي في حوار مع زوجته أن هناك أصنافاً عديدة من الجوع. ويقول إن الذكرى جوع.
هل الكتّاب الكبار في العالم من وزن همنغواي جائعون أبداً مثل الذئب، إذ يقال في الذئب:«رماه الله بداء الجوع».. وقد يكون صاحب «وداعاً للسلاح» ذئباً منفرداً حين كان في باريس.. الوليمة المتنقّلة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrykbxrt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"