الصورة رواية أو دمعة.. وليست فلسفة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

«قرأت» الصور الفوتوغرافية (بالأبيض والأسود) في كتاب «غرفة التظهير» لرولان بارت أكثر مما قرأت الكتاب (دار نينوي 2017)، ذلك أن صاحب «الكتابة في درجة الصفر» يفلسف الصورة الفوتوغرافية بأكثر مما فيها من «نص بصري» تلقائي لا يحتمل، فعلاً، كل هذه المبالغة في القراءة الفكرية للصورة أو للتصوير، وكأن من كان ينبغي أن يكتب عن التصوير ليس المفكر أو الفيلسوف بارت، بل شاعر أو رسام. أحياناً يُحَمّل بعض المفكرين، الظاهرتين تحديداً، بعض الظواهر الجمالية أكثر مما تحتمل، وعلى سبيل المثال، حين كان المصور الفوتوغرافي وهو يلتقط بالكاميرا مشهداً في منتهى العادية والبساطة لأنه مقطع بصري من الحياة لا أكثر ولا أقل، يذهب المفكر أو الفيلسوف في تأويل هذا المشهد اليومي الشفاف إلى آخر ما يمتلك من مصطلحات ومفاهيم تقتل الصورة، وتقتل معها بساطتها وبساطة المصوّر في الوقت نفسه.
ببساطة لم أحب قراءة رولان بارت في كتابه هذا «غرفة التظهير» الذي وضع له عنواناً فرعياً هو «حاشية على التصوير» ونقله إلى العربية د. منذر عيّاشي، وربما يعود ذلك إلى أن الصورة الفوتوغرافية في حدّ ذاتها، بما هي مشهد جمالي، لا تحتمل التأويل الفلسفي، بل هي أقرب إلى أن نصفها ونسردها ونجعل منها معبراً بصرياً وجدانياً نحو الحنين ونحو الذكرى، لا نحو الفلسفة.
ليس كل شيء في الفن يُفَلْسَف، ومن الممكن أن نفكّر في الصورة، ولكن في الوقت نفسه، من الصعب، إن لم يكن من غير الممكن، أن نفلسف صورة فوتوغرافية بكل ما فيها من مباشرية ووضوح إلى حدّ تتحول فيهما الصورة إلى وثيقة إدانة أو شهادة إثبات على جريمة.
أية فلسفة تلك يمكن أن نتقبّلها باكتفاء فكري أو نقدي ونحن نتأمل مثلاً صورة تلك الفتاة الفيتنامية التي بدت في صورة فوتوغرافية وهي تركض محترقة بقنبلة نابالم أمريكية في عام 1972، واسمها فان ثي كيم فوك لتصبح صورتها تلك وثيقة وشهادة أكثر منها موضوعاً فكرياً أو فلسفياً محوره التصوير.
ثم، لو كان بارت على قيد الحياة، ما عساه يا ترى يكتب بنيوياً أو ظاهرتياً أو وفق أي مصطلح تريده عن الطفل آلان كردي ذي السنوات الخمس الذي غرق في أثناء هجرة عائلته إلى إحدى الدول الأوروبية في عام 2015، ووصفه أحد الكتاّب ب «أجمل غريق في العالم» وقد استعار هذا الوصف من إحدى روايات ماركيز.
 قد تتحول الصورة أو تتحول الصور إلى روايات ولوحات وقصائد، ولكن من الصعب أن تتحول صور من هذا النوع إلى فلسفة أو حقل تأويل. إن التأويل الوحيد هنا هو تلك الدموع المالحة التي في قلب الصورة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr32k7yz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"