الإمارات وتونس.. مصالح متنامية

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. صلاح الغول
في الوقت الذي كانت تقدم فيه الدكتورة إيمان السلامي، أوراق اعتمادها لوزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج سفيرةً جديدة لدولة الإمارات، كانت المشكلة السياسية في تونس تتصاعد، وأزمتها الاقتصادية تتفاقم.
والواقع أن هذا مدخل جيد لتحليل السياسة الإماراتية تجاه تونس، ولاسيما منذ الإصلاحات السياسية العميقة التي بادر بها الرئيس قيس سعيّد في يوليو 2021. ولكن قبل ذلك، يجدر بنا إلقاء بعض الضوء على المشكلة السياسية المتصاعدة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة في تونس.
ترجع جذور المشكلة السياسية في تونس إلى ما قبل انتخاب الرئيس سعيّد في 2019، وبالتحديد إلى الفترة التي سيطرت فيها حركة «النهضة» على السياسة والحكم في البلاد، ما أدى إلى تدهور الأحوال السياسية وزيادة الانقسام السياسي وانتشار الفساد. ومن ثم، بادر الرئيس سعيّد بإصلاحات سياسية عميقة في يوليو 2021، تضمنت تجميد اختصاصات البرلمان ثم حله، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، وتعطيل العمل بالدستور ثم استفتاء الشعب على وثيقة دستورية جديدة حازت موافقته في 25 يوليو الماضي، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة (عقدت جولتها الأولى في ديسمبر المنصرم). ولكن بعضاً من قوى المعارضة، وعلى رأسهم حركة «النهضة الإخوانية»، رفضت هذه الإصلاحات، وهددت باللجوء إلى الشارع. وبالفعل، حشد «الإخوان» وحلفاؤهم الآلاف في 14 يناير الجاري، مطالبين بإسقاط النظام وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، ومتسلحين بتدني نسبة المشاركة الشعبية في انتخابات ديسمبر (11%) وبمعارضة الاتحاد العام للشغل للإجراءات الرئاسية على الرغم من عدم اشتراكه في التظاهرات. ومن ناحيته، يصر الرئيس سعيّد على استكمال حزمة الإصلاحات بإجراء الجولة الثانية من الانتخابات في موعدها (29 يناير الجاري).
وقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية في تونس مؤخراً؛ مع غلاء الأسعار، وارتفاع مستوى التضخم، ونفاد بعض السلع الأساسية من الأسواق، ما أدى إلى نقص الغذاء، وزيادة معدل البطالة، وبلوغ الدين الخارجي مستوى غير مستدام (أكثر من 80% من إجمالي ناتجها). وقفز عجز الميزان التجاري إلى 40% مع نهاية العام الماضي.
على أي حال، يتطلب تحليل السياسة الإماراتية تجاه تونس تحديد المصالح الإماراتية هناك؛ على أساس أن سياسة الإمارات الخارجية تهدف إلى تحقيق المصالح الوطنية للدولة، وفي مقدمتها المصالح الاقتصادية، طبقاً لوثيقة الخمسين والمبادئ الثمانية لسياستها الخارجية في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
وتتحدد مصالح الإمارات في تونس في دعم الاستقرار السياسي في البلاد، لما له من انعكاسات إقليمية وخليجية أبانت عنها الثورة التونسية أواخر عام 2010، والحؤول دون اختطاف السياسة والحكم من قبل حركات متطرفة تبذر بذور التطرف والعنف في المنطقة. كما أن لدولة الإمارات مصالح جيواستراتيجية تتصل بجوار تونس لليبيا، ومصالح سياسية ترتبط بكون تونس رأس حربة عربية فرانكوفونية تسهم في التقارب الإماراتي - الفرنسي، ومصالح اقتصادية تتعلق بتطلع الإمارات إلى زيادة حجم التجارة البينية، والاستثمار في مشروعات برنامج التحول التونسي نحو الخصخصة، وتعزيز مكانة الموانئ الإماراتية منصةً لتجارة إعادة التصدير القادمة من شرق آسيا لتونس، وربما الاستفادة من علاقات السوق التونسية بالأسواق الأوروبية.
كما يتطلب التحليل أيضاً إلقاء الضوء على المعايير الموجهة للسياسة الإماراتية تجاه تونس؛ على أساس أن دولة الإمارات تسعى إلى لعب دور القوة المعيارية في المنطقة. و تتلخص هذه المعايير في الاعتدال والانفتاح والتسامح واحترام الهوية الوطنية.
وهكذا، نسجت دولة الإمارات سياستها تجاه تونس، التي اتضحت معالمها في دعم العملية السياسية التي يتابعها الرئيس سعيّد، والإسهام في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية عن كاهل الشعب التونسي عن طريق المساعدات الإنسانية والتنموية، ومكافحة التطرف والإرهاب. وثمة بعد ثقافي مهم في السياسة الإماراتية تجاه تونس، أهم معالمه برنامج تحدي القراءة العربي، والمشروع الثقافي (بيت الشعر) في القيروان، وتبادل الخبرات الفكرية والأدبية بين البلدين. كما يدرس العديد من الطلاب الإماراتيين في تونس في مختلف المراحل الدراسية.
وفي اتصال هاتفي بالرئيس سعيّد، في يونيو 2022، أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عن «دعم الإمارات لتونس»، وعزمه على «دفع علاقات التعاون والاستثمار بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات». وما من شك في أن السفيرة السلامي، بخبرتها الواسعة في العمل الدبلوماسي، قادرة على أن تكون قناةً رئيسية لتحقيق الأهداف ومتابعة السياسات الإماراتية تجاه تونس.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxenfc8

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"