الارتقاء بالموسيقى العربية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا لو طبّقنا عكس ما تفعله جامعة برينستون مع النابغين في الرياضيات والفيزياء؟ عندئذ نكون قد أسدينا أروع خدمة إلى الموسيقى العربية، خصوصاً إذا وسّعنا الدائرة بجعلها تستوعب منظومة كتلك التي يُعرّف بها القدامى الأدب: «الأخذ من كل شيء بطرف»، ما يعني أن مفهوم الأدب عندهم كان مساوياً لمفهوم الثقافة العامة عندنا.
تلك الجامعة أضافت إلى المناهج العلمية لذوي الأدمغة الاستثنائية، الفلسفة والموسيقى. الفكرة متألقة وضرورية وليست كمالية. الكثير من العلوم يحتاج اليوم ومستقبلاً إلى فلسفة العلوم، التي هي في حدّ ذاتها متعددة التخصصات. الفيزياء الفلكية ومتفرّعاتها ضمن العلوم الكونية، وكذلك علوم الأحياء وهي مجموعة علوم أيضاً، كلها تجد روافد في فلسفة العلوم. في العالم حاضراً عدد كبير من العلماء في تلك الميادين وغيرها هم حملة شهادات عليا في فلسفة العلوم.
أمّا إضافة الموسيقى إلى منهاج النابغين في العلوم البحتة، فلأن الموسيقى هي أصلاً رياضيات وفيزياء، فالإيقاع رياضيات لأن تعريفه هو: «تقسيم الزمن إلى وحدات»، والأصوات فيزياء لأنها موجات أي ترددات وذبذبات. منذ فيثاغورس تأسست العلاقة الساحرة بين الفلسفة والرياضيات والموسيقى. الفلاسفة ما قبل السقراطيين هم من اخترعوا مصطلح «موسيقى الأفلاك»، فقد أومضت في أذهانهم صورة أن النسب بين الكواكب تماثل النسب بين الدرجات الصوتية (النوتات).
إذاً، ماذا لو طبّقنا عكس ما فعلته تلك الجامعة الأمريكية، فأضفنا إلى مناهج المعاهد الموسيقية الرياضيات والفيزياء، منذ بداية الدراسة في مدارس الموسيقى، فالطالب سيحتاج إلى المادّتين عندما يرتقي إلى دراسة الهارموني والكونترابانط؟ لكن مع قيمة مضافة إلى المنهاج تتمثل في الفلسفة. البداية المنطقية يجب أن تكون فلسفة الفن، التي يراها الفيلسوف الإيطالي بينيديتو كروتشه مدخلاً إلى الفلسفة. سنوات الدراسة تكفي لإنعام النظر في كتاب «الإحساس بالجمال» للأمريكي جورج سانتيانا. هنا يستدعي الطرح المصارحة والشفافية فلا مجاملة في الفن لأنه في خدمة الذوق العام، فإذا هبط مستواه كان ذلك نيلاً من سلامة أذواق الشعوب. شوائب الموسيقى العربية الآن هي انعدام الأفكار الموسيقية بالمطلق، ضحالة البناء شكلاً ومضموناً، غياب الإبداع... الموسيقى العربية تفضح المستوى الثقافي والفكري لأصحابها. انعدام الأجناس والأشكال الموسيقية دورانٌ في حلقة أضيق من خاتم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الأمليّة: تكوين موسيقيين ذوي ثقافة عالية متنوعة وثرية سيحقق تعددية الإبداع والغزارة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ffrwpkaf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"