الحماية الاجتماعية في المغرب

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني
تشير مختلف الدراسات والتقارير العلمية إلى أن الفقر لا يرتبط بانعدام دخل منتظم، بل يتجاوز ذلك إلى مختلف الصعوبات المتصلة بسوء التغذية، وعدم الاستفادة من مختلف الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والربط بالكهرباء والماء، والحرمان من الحماية الاجتماعية.

واعتباراً لانعكاساته السلبية على التنمية وعلى مقومات السلم الاجتماعي وعلى العدالة بصورها الاجتماعية والمجالية، أضحى الحدّ من نسب الفقر أولوية بالنسبة للدول، حيث تمّ اعتماد مجموعة من السياسات والبرامج الاجتماعية في هذا الخصوص، استفادت بموجبها نسبة مهمة من ساكنة العالم من معونات مالية، تندرج ضمن نظم الحماية الاجتماعية، وقد تباينت المقاربات المعتمدة في هذا الإطار من بلد لآخر، من حيث أهميتها وأشكالها ونتائجها وسياقاتها.

تحيل الحماية الاجتماعية باعتبارها حقاً من الحقوق التي تؤكد عليها الدساتير والقوانين والمعاهدات الدولية، إلى أسلوب يتيح للأفراد والأسر مواجهة الآثار المترتبة عن المخاطر الاجتماعية بمختلف أشكالها من خلال منظومة الاحتياط الاجتماعي، وهي تعتمد عادة على آليتين أساسيتين، هما التأمين الاجتماعي والمساعدة الاجتماعية.

اعتمد المغرب منذ فجر الاستقلال تدابير مختلفة في إطار الحماية الاجتماعية، كما قام خلال السنوات الأخيرة بإحداث مجموعة من الهيئات كوكالة التنمية الاجتماعية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، بالإضافة إلى إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذلك سنّ مدونة الشغل التي تضمنت مجموعة من المستجدات ذات الصلة بالموضوع، كما هو الأمر بالنسبة لبرنامج المساعدة الطبية الذي خصص للفئات الفقيرة، علاوة على إطلاق بعض البرامج المدرجة في إطار صناديق الدعم المباشر، كصندوق دعم التماسك الاجتماعي، ودعم تمدرس الأطفال «تيسير»، وصندوق التكافل العائلي المخصص لدعم المطلقات، وصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية. ورغم أهمية هذه الإجراءات والمبادرات، إلا أنها ظلت في مجملها دون الطموحات، بسبب افتقارها إلى رؤية شاملة ومتكاملة واستراتيجية، وعدم مواكبتها بتشريعات فعالة، حيث ظلت هذه البرامج في مجملها تموّل في إطار الميزانية العامة، أو اعتماداً على المساعدات والشراكات الدولية، وهو ما جعلها تفتقد إلى الاستدامة والفعالية.

كان لجائحة كورونا بانعكاساتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية أثر كبير في الكشف عن حجم الاختلالات التي تعرفها منظومة الحماية الاجتماعية في عدد من الدول، وهو ما دفع الكثير منها إلى القيام بمراجعات وإصلاحات في هذا الصدد.

وانسجاماً مع مقتضيات الفصل 31 من الدستور المغربي، تم إصدار القانون رقم 09.21 بتاريخ 5 إبريل (نيسان) 2021 المتعلق بالحماية الاجتماعية، وهو يؤسس لمرحلة جديدة يراهن من خلالها المغرب على تعميم التغطية الصحية الإجبارية، وكذا التعويضات العائلية، وتوسيع الانخراط في أنظمة التقاعد، وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل.

وتأتي هذه الخطوة التي تستلهم مضمونها من بعض التجارب الدولية الرائدة في هذا الشأن، لتجاوز الاختلالات التي طبعت برامج الحماية الاجتماعية السابقة، عبر مأسسة عملية الدعم الاجتماعي في إطار من التكامل، وضبط عمليات استهداف المستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية، والحدّ من استفادة بعض الفئات الميسورة والشركات من دعم صندوق المقاصة لأثمنة عدد من المواد الأساسية التي يستهلكها المغاربة، وإخراج العملية برمّتها من الطابع الخيري الإحساني، والنأي بها عن المزاجية والمقاربات السياسية والحزبية، وإعطائها بعداً مستداماً، ضمن خطّة استراتيجية لمكافحة الفقر وإرساء العدالة الاجتماعية، مع توخّي الدقة في تحديد الفئات المستهدفة بالدعم، وتجاوز التضارب في التدخل.

ويرى عدد من الباحثين والمختصين أن القانون سيسهم في ترشيد النفقات، من خلال توحيد برامج الحماية الاجتماعية، وتوجيه الدعم للفئات المستحقة، بل وتوسيع دائرتها، خصوصاً أنه ينحو إلى توظيف التكنولوجيا المتطوّرة، وتجاوز إشكالات التدبير الإداري التقليدي المعتمدة في هذا السياق، ما سيسهم في تخليق الحياة العامة.

ومن خلال استحضار الرهانات التي ينحو إلى تحقيقها، يبدو أن تطبيق هذا القانون بمقاربة تشاركية تنسجم مع حجم الأهداف المتوخاة، لا يخلو من صعوبات مرتبطة في مجملها بالتمويل الذي يقدر بحوالي 51 مليار درهم سنوياً، وتحديات أخرى تعكسها متطلبات مراجعة عدد من التشريعات والتدابير المعتمدة منذ سنوات، كما هو الشأن بالنسبة لصندوق المقاصة، بالإضافة إلى الإشكالات المتصلة بالرفع من التمويل الجبائي للسياسة الاجتماعية، وهو ما سينعكس بالطبع على مستوى تحرير أسعار المواد الأساسية انسجاماً مع منطق السوق، ما ستكون له تأثيرات واضحة على الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود، كما لا تخفى الصعوبات التي سيطرحها أيضاً وضع السجل الاجتماعي الموحد وإصلاح نظام التقاعد المعتمد حالياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tz4zpxt

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"