الفضائيات وسلامة اللغة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل لاحظت أن مقدّمي البرامج غير العرب في الفضائيات الناطقة بالعربية، في بلدان غير عربية، هم أحرص على التكلم بالفصحى، من نظرائهم في فضائيات عربية كثيرة؟ هل سمعت الفصحى لدى الروس والصينيين، دعك من العرب العاملين في روسيا والصين؟ صار الأبعدون أقرب إلى فصحانا من الكثير من العرب. لا تحزنْك الحقيقة، فعدد من مشاهير وجوه الفضائيات العربية هم أعجز من أن يرتجلوا ثلاثين ثانية بالفصحى.
الملاحظة سهلة الطرح، لكنها في منتهى التعقيد، ولها خلفيات شتى. أولئك الإعلاميون لم تتح لهم فرصة تعلم العربية على نحو سليم، أي أن المناهج هشة البنيان لا عماد لها. المشكلة أبعد مدى، فذلك يعني أن النظام التعليمي لا يكترث لسلامة اللغة. أمر غير ذي بال لديه أن يقضي التلميذ إلى أن يتخرج ستّ عشرة سنة في ممارسة لغته، ثم يدخل سوق العمل وهو غير قادر على كتابة سطور خالية من الأخطاء، أو حتى التكلم بها فصيحة لمدة نصف دقيقة.
المسألة غريبة، فذلك يكشف أن معاهد الصحافة وكليات الإعلام، تستثني سلامة اللغة من مقومات الإعلام والصحافة. هما لديها مهنة، حرفة لا علاقة لها بمستوى إتقان اللغة. أنت لا تنتظر من النجّار أن يكون لسانه قويماً، فمهمّته أن يتقن استخدام المخرطة والمنشار والمطرقة ودقة المقاسات. مهمّة الطاهي الجيد حسن معرفة المقادير وطرائق الإعداد والتقديم، وبارك الله فيه إذا كان خبيراً بتوازن القيم الغذائية، فلا يعنيه أن يكون اللحم فاعلاً أو الأرز مفعولاً.
ثمّة فضائيات عربية لا تشغلها سلامة اللغة، فهي تفتح مجال البث للعامية ساعات طويلة. العجيب أن التقارير الخبرية والاقتصادية تكتب بالفصحى وتقرأ بالعامية. على المعنيين أن يفطنوا للوهم الذي يقعون فيه، وهو أن القراءة العامية للنص الفصيح لا تجعل الفهم أيسر، إذا كان الموضوع تخصصياً كالاقتصاد والعلوم، لأن الإحاطة بالمادة ترتبط بمدارك المتلقي، فإذا كانت الأمية من النوع الثقيل، فلا تجدي القراءة بالعامية نفعاً.
وضع «اللي» مكان الذي أو التي، لا يحل المشكلة إذا كان النص تقانيّاً في المعلوماتية أو في علم الأحياء. سامح الله الذين كانوا السبب في عدم محو الأمية طوال التاريخ الحديث.
لزوم ما يلزم: النتيجة الارتدادية: الاستهانة بسلامة اللغة في وسائل الإعلام تعني أن أهل الشأن لا يعون عواقب الاستهانة بسلامة اللغة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4y4vue36

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"