مارلين سلوم
النجم الحقيقي لا ينطفئ، قد يغيب عن صدارة المشهد الفني، ونتراجع نحن عن سماع أغانيه ومشاهدة أعماله، لكن النجم يبقى ثابتاً، في مكانه ومكانته، وما إن تعود ذكراه، أو يعود ما يذكّرنا به، يتجدّد فينا الحنين إلى أعماله، ونستعيد المشاعر والأحاسيس التي عشناها يوم سمعنا تلك الأغنية، أو شاهدنا هذا العمل. ولعل الأمر يتجسد بعلاقتنا مع المطربين أكثر منه مع الممثلين، لأننا نعيش حالة معينة مع الأغنية الجميلة، نحوك لها قصة ونصير أبطالها في مخيلتنا، فتنشأ علاقة حميمة وخاصة بيننا وبين الكلمة واللحن والصوت.
وبسبب هذه العلاقة التي نحسّ بأنها خاصة وشخصية بيننا وبين الأغنية ومغنيها وصوته، والحالة التي نعيشها مع الألحان والكلمات، نشعر بأن المطرب الحقيقي لا يرحل، يغيب بجسده لكنه يحيا باستمرار من خلال أغانيه، ومن خلال الجمهور الذي أحبه، ويبقى يحبه؛ ولهذا أيضاً يكون التخليد الأجمل والتكريم الأمثل للفنان الكبير، من خلال إعادة تقديم أغانيه، سواء بصوته، أو بأصوات مغنين آخرين، شرط أن يكونوا على المستوى الذي يليق بمكانة هذا النجم الراحل، سواء في الفن، أو في قلوب الناس.
هكذا كُرّمت أكثر من مرة أم كلثوم، وداليدا، وإديث بياف، وعبد الحليم حافظ، ومحمد عبد الوهاب.. وهكذا جاء تكريم الفنان السعودي الراحل طلال مداح في بلده السعودية في حفل حمل اسم «صوت الأرض»، تيمناً بأحد الألقاب التي أطلقت على هذا الفنان الكبير الذي أعطى للفن الكثير حتى آخر نفس، ورحل وهو يقف على خشبة المسرح.
«ليلة صوت الأرض» جمعت نجوماً عرباً، لكن نجم الحفل كان المداح الراحل، ومؤكد أن كل مطرب شارك في إحياء الحفل أدى مقطعاً، أو أغنية للفنان الراحل بطريقته، لكن التكريم هو ما يستوقفنا أكثر من حضور فلان، وتألق فلانة. المسرح والإضاءة والتناغم والشكل العام للحدث يطغى، خصوصاً أن «زرياب»، كما كانوا ينادونه، أتقن الغناء والعزف والتلحين، وحمل فنه واسم بلاده إلى دول عربية وغربية عدة، وساهم في انتشار الفن السعودي بشكل راق.
وكالعادة، انشغلت صفحات على وسائل التواصل بفساتين وأزياء وإطلالات الفنانات أولاً، والفنانين ثانياً، ومحاولات لاختيار من أجاد الغناء ومن أخطأ، وفرح فنانون بالمقارنات والتفضيل، لكن النجم الأول كان طلال مداح، وحفل التكريم أحيا أغانيه من جديد، وأدخله في لعبة العصر الحديثة «الترند»، فتصدر القائمة ودفع بكثيرين ممن لا يعرفون طلال مداح إلى البحث عنه، وسماع أغانيه.
