حدود العقوبات الأمريكية على الصين

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

دأبت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية على توظيف سلاح العقوبات ضد منافسيها في أقصى الشرق على نطاق واسع، وبالتالي، فإنه وبعد سلسلة العقوبات القاسية التي سلطتها على روسيا قبل الحرب في أوكرانيا وبعدها، فإن الإدارة الأمريكية سواء في عهد ترامب أو بايدن تعتمد على سياسة المواجهة الجيوسياسية والاقتصادية مع الصين التي ترى أنها تمثل أكبر تحدٍٍ يواجه مصالحها في العالم وتشكل من ثم تهديداً جدياً للزعامة الأمريكية على العالم، يتجاوز بكثير التهديد الذي تمثله موسكو بترسانتها النووية. ونتيجة للعقوبات التدريجية التي شرعت واشنطن في تنفيذها ضد الشركات الصينية منذ أكثر من خمس سنوات، فإن الصين تحضّر نفسها بكل الإمكانيات المتاحة من أجل بلورة استراتيجية فعالة وقادرة على تجاوز العقوبات الأمريكية الشاملة في حال إقدام البيت الأبيض على اتخاذ قرار يقضي بالدخول في حرب اقتصادية واسعة النطاق مع الصين.

ويجمع المتابعون للشأن الدولي على أن الولايات المتحدة شرعت منذ نهاية الحرب الباردة في توظيف سلاح العقوبات على نطاق واسع سواء ضد القوى الإقليمية أو القوى الدولية الكبرى، لاسيما أن سلاح العقوبات يسمح كما يقول الخبراء بتجاوز الفراغ الموجود في الفضاء الدبلوماسي ما بين التصريحات السياسية غير الفعالة والعمليات العسكرية التي من شأنها أن تؤدي إلى نتائج كارثية وقاتلة. وقد سمحت الوضعية الاقتصادية لأمريكا، التي ظلت لسنوات عدة تستحوذ على أكثر من ربع الناتج العالمي الخام، لواشنطن من امتلاك قدرات هائلة تمسح لها بالتأثير بشكل فعال في توجيه الاقتصاد العالمي وتسليط عقوباتها القاسية على معارضيها بدعم مباشر من حلفائها الغربيين.

ويجب الاعتراف على الرغم من كل ذلك بأن هذه الوضعية بدأت في التغيّر بشكل تدريجي ولافت خلال السنوات الأخيرة بعد أن أبدى سلاح العقوبات الأمريكي والغربي محدوديته وبدأت الاقتصاديات الصاعدة في كسب مساحات جديدة على حساب الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وعلاوة على ذلك، فإن القوى الصاعدة وفي طليعتها الصين عملت منذ سنوات على بناء منظومة اقتصادية صلبة قادرة على مواجهة أي شكل من أشكال العقوبات الأجنبية، وقامت بوضع إطار تشريعي لحماية مصالحها الاقتصادية وبخاصة بعد إقصاء إيران من النظام المالي العالمي وسلسلة العقوبات التي فُرضت على روسيا منذ إعلانها عن ضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها؛ وحرصت بكين أيضاً على وضع نظام مصرفي بديل لأنظمة الدفع الغربية للسماح لشركاتها القيام بعمليات التحويل المالي بشكل آمن. كما تعمل الصين في المرحلة الراهنة على وضع آليات تسمح لها بفصل اقتصادها عن الاقتصاد الأمريكي وتعزيز البنيات الداخلية لاقتصادها، لاسيما في قطاع التكنولوجيات المتطورة.

وتأتي هذه الخطوات الصينية بعد حزمة العقوبات الأمريكية في المجال التكنولوجي التي اتخذتها حكومة ترامب والتي حرمت بموجبها شركة «هواوي» الصينية من الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية، واستمرت بعد ذلك سلسلة العقوبات الأمريكية في عهد بادين الذي قررت إدارته منع التكنولوجيا المتطورة في مجال أشباه الموصلات عن الصين وهددت الشركات العالمية غير الأمريكية بعقوبات قاسية إذا قامت بتزويد الصين بمثل هذه التكنولوجيا التي يُصنّع القسم الأكبر منها حالياً في تايوان. وتملك الصين خيارات مهمة من أجل مواجهة هذه العقوبات الأمريكية فهي تحتكر بنسبة كبيرة إنتاج ما يسمى بالأراضي النادرة وتتحكّم في 80 في المئة من إنتاج 17 معدناً من المعادن التي تدخل في صناعة أشباه الموصلات، ومن ثم في صناعة تجهيزات ومعدات أمريكية حساسة مثل طائرات «إف 35».

من الواضح في كل الأحوال أن الصين التي استثمرت مبالغ خيالية بغرض تطوير قدراتها في مجالي الحساب المكثف والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الجيلين الخامس والسادس للاتصالات، تعمل بشكل حثيث لكي تصبح رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم؛ وبالتالي، فإن العقوبات الأمريكية ضدها تظل محدودة من حيث قدرتها على وقف مسار التطور الصيني لأسباب عدة لعل من أبرزها التبعية المتبادلة للاقتصاديات العالمية في مختلف المجالات، وهي تبعية تجعل من شبه المستحيلات أن تنجح قوى كبرى مهما بلغت من التطور والقدرة في عزل خصومها دون أن تتأثر هي نفسها من التداعيات السلبية لسياسة الحصار والعقوبات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2nc3th79

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"