دروس الزلزال

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

على الرغم من كون الزلازل والأعاصير ظواهر جيوفيزيائية، تحدث باستمرار، من حكم الله تعالى، وأنها أحداث لا يمكن للإنسان التحكم بها، رغم ما حققته البشرية من تطور وتقدم علمي، فإن أحداً لا يستطيع تجاهل تلك العبر والدروس التي تحملها الظواهر الطبيعية، والتي أبرزها أنها تضع الذين يتعرضون لها أمام مواجهة واحدة مع النتائج المدمرة التي تحملها، فتذيب خلافاتهم، وتضعهم جميعاً في خندق واحد، أمام هول ما تخلفه من ضحايا وخسائر، تنسيهم الخلافات السياسية أو المذهبية أو العرقية، أو الثقافية، أو الدينية، حيث لا يفرّق الموت بين أحد وآخر.

وكلنا رأينا، ونحن نتابع أخبار وتداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، كيف تفاعل العالم بأسره مع ضحايا هذه الكارثة وكيف تسابقت الكثير من الدول والمنظمات الإنسانية، إلى مد يد العون للمنكوبين، رغم بعض العقبات اللوجستية، أو المعوقات الأخرى، ولا سيما في شمال غرب سوريا، حيث شكلت العقوبات المفروضة على هذا البلد عائقاً أبطأ إيصال المساعدات في وقتها المناسب مع الأسف، وعرقل إلى حد ما جهود الإنقاذ وانتشال الضحايا بسبب النقص الكبير في المعدات والإمكانيات اللازمة، في ظل الحرب التي تشهدها سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن.

لقد سجلت الدول العربية مواقف مشرفة، وعلى رأسها دولة الإمارات، حيث أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» بتقديم 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا. ووجه بإنشاء مستشفى ميداني وإرسال فريقي بحث وإنقاذ، إضافة إلى إمدادات إغاثية عاجلة إلى المتأثرين من الزلزال، لتستفيد منها الأسر في المناطق المتأثرة بتداعياته.

كما وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» بمساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين في سوريا جراء الزلزال بقيمة 50 مليون درهم، من خلال «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية». فيما سارعت الدول الخليجية الأخرى إلى تقديم المساعدات أيضاً، وكذلك حذت كل من مصر ودول المغرب العربي والأردن والعراق وغيرها من الدول العربية إلى مد يد العون لضحايا الكارثة.

لكن اللافت أيضاً من دروس هذا الزلزال الذي دمر البشر والحجر، هو أنه دفع بعض الأطراف المتخاصمة إلى إعادة حساباتهم، أمام هول الفاجعة، كما هو الحال في العلاقات اليونانية التركية، إذ أدت هذه الكارثة إلى تقارب دبلوماسي بين البلدين رغم العلاقات المتوترة بينهما، حيث توجه وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس بشكل غير متوقع إلى منطقة الكارثة والتقى نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وتعانق السياسيان في مشهد قد يشكل بداية جديدة في علاقاتهما، حيث أكد وزير الخارجية التركي ضرورة تطبيع العلاقات بين بلاده واليونان، مشيراً إلى أن مساعي البلدين ستستمر في سبيل تحقيق ذلك.

من جانب آخر، دفعت الكارثة حزب العمال الكردستاني الذي يخوض مواجهة عسكرية مع تركيا منذ العام 1984 إلى تعليق عملياته العسكرية في تركيا.

وعلى الرغم من أن الحزب أعلن أن هذا التعليق مؤقت، فإنه قد يشكل صفحة جديدة ربما تقود إلى تهدئة الصراع بين الطرفين.

والسؤال الذي يبرز هنا هو: هل سيقود الزلزال المدمر في شمال سوريا أطراف الأزمة السورية إلى سبل للبحث عن حلول توافقية تعيد إلى هذا البلد العربي أمنه واستقراره، كي يستطيع مواجهة تداعيات هذه الكارثة، التي أضافت المزيد من المعاناة على كاهل الشعب السوري، الذي يعاني أصلاً بسبب الحرب التي تدور رحاها منذ أكثر من عشر سنوات؟

أخيراً، يمكن القول إن الكوارث الطبيعية رغم قسوتها، فإنها قد تفيد في إيقاظ الضمائر والنفوس من غفوتها، عندما يطرق الموت أبواب الجميع، وهو ما يبدو من أهم العبر والدروس التي تتركها الكوارث الطبيعية على الإنسان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7uv3f3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"