عام من الحرب.. ولا شيء جديد

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

بعد أيام قليلة تطوي الحرب الأوكرانية عامها الأول من دون أي بشائر باقتراب نهاية هذه المأساة الإنسانية، ومن دون أيّ خطوات ملموسة للسير في طريق مفاوضات يُسكت، على الأقل، أصوات السلاح. وعلى العكس من ذلك، فإن كل طرف يتحدث عن تصعيد، وعن هجمات «الربيع» الحاسمة.

لا أحد يمكن أن يحدد بدقة خسائر هذه الحرب على الدولتين المتصارعتين مباشرة، وعلى بقية دول العالم، بما في ذلك تلك التي تصرّ على تأجيج الصراع والدفع بالحرب إلى مستويات جنونية. هناك عشرات الآلاف من القتلى بحسب تقارير متداولة، وهناك مليارات الدولارات تم إنفاقها في التسلّح والتسليح، وهناك خسائر اقتصادية ضخمة، ومستويات تضخّم أنهكت الاقتصادات المتوسطة والضعيفة. وفي خضمّ هذه الأجواء التي تهدد الأمن الجماعي العالمي، نلحظ وجود إصرار من قبل روسيا من جهة، والولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى، على استكمال الصراع إلى نهايته، مع تلويح خطر بأن اليد على الزناد، كما يقال، في ما يتعلق باستخدام الأسلحة النووية. وفي المقابل، نلحظ كذلك غياباً شبه تامّ للمنظمة الأممية بمجالسها المتعددة (الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان)، عن الانخراط في أي مسار يمكن أن يهدف إلى إنهاء الحرب، كأننا هنا بمنظمات شبه عاجزة عن التدخل في أزمات تجمع الدول الكبرى. هذه المنظمات الدولية هي الآن مجرّد أشباح، كتلك التي كانت تشرّع لغزو العراق، أو ليبيا، أو سوريا، على سبيل المثال. فعندما يتعلق الأمر بالدول القوية تنسحب هذه المنظمات كأنها غير موجودة، وفي أفضل الحالات تصدر بيانات هزيلة لا تأثير لها. وعندما تنسحب الأجسام الوسيطة التي يفترض أنها تدافع عن الأمن والسلام العالميين، فإنه يصبح من المنطقي أن تسيطر عقلية الحرب على سلوك الدول القوية التي لا تخشى أي رادع. لقد أنهت حرب أوكرانيا الوجود الفعلي للمنظمة الأممية، وأثبت هذا الصراع أن الدول القوية هي التي تدوس على القوانين الدولية وتفرض سيطرتها ومصالحها الخاصة على مصالح شعوب العالم. ولهذا نرى حرباً ممتدة في الزمن، وصراعاً ليس له نهاية قريبة.

يقول الباحث جون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي إن الحرب «لا تظهر بالتأكيد أي علامة على أنها على وشك الانتهاء». ويضيف «لدى كل جانب شعور بأن الفترة مؤاتية له وأن إلقاء السلاح الآن سيكون خطأ». أما ليانا فيكس، من مجلس العلاقات الخارجية، وهي مؤسسة فكرية أمريكية، فإنّها ترى أن «السيناريو الأكثر ترجيحاً» هو استمرار المعارك المركزة. وفي هذا السيناريو، قد لا يتغير التوازن العام للنزاع، أو سيتغير قليلاً، وستظل روسيا تسيطر على شبه جزيرة القرم (جنوب)، على وجه الخصوص، التي ضمتها عام 2014، كما ستواصل أوكرانيا المقاومة. وحتى الآن، لم يبد الجانبان أي استعداد حقيقي للتفاوض حول إنهاء الحرب.

إن ما يعزز هذه الفكرة هو حديث الأطراف الرسمية في القوى المتصارعة عمّا تسمّى بهجمات الربيع، وهي معارك يمكن أن تكون حاسمة لروسيا، أو للغرب ويمكن أن تمهّد لنزاع طويل الأمد ولحرب استنزاف لن ينتصر فيها إلا من كانت له مقومات الصمود لفترة أطول.

الغرب يعزز صادراته العسكرية إلى كييف تحت شعار المساعدات، وينخرط بصورة جلية في حرب مباشرة مع روسيا، وهو يعتقد أنّ بمقدوره هزيمة روسيا بعد أن مرّ الشتاء بسلام، ولم تحدث مفاجآت تهزّ العروش في الدول الغربية، وعليه، فإنّ الحماس يزداد لديها لإنهاء فكرة «نورد ستريم» بشكل كامل ما دامت قادرة على العيش من دون الحاجة إلى طاقة روسيا، بغازها ونفطها، وقد بدأ الحديث عن مساعدات عسكرية ضخمة من أوروبا وأمريكا لتجهيز الجيش الأوكراني في حملاته المرتقبة لتحرير الأراضي الأوكرانية، وفي المقابل فإن روسيا ترى أنها قادرة على قيادة هجوم الربيع، للتوسع في الأراضي الأوكرانية، وتحييد نظام كييف قبل أن تفرض على الغرب الجلوس إلى طاولة مفاوضات تحقق مطالب موسكو، وأهمها قبول موسكو بقيادة ليبرالية تابعة للغرب في كييف، مقابل قبول غربي بانتزاع روسيا للأراضي التي سيطرت عليها موسكو في شرقي أوكرانيا، وهذا طبعاً حلّ لا تقبل به كييف، التي تعوّل على دعم غربي لا محدود لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4s2tysc4

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"