«الجنّية» الإماراتية وثورة الشؤون العسكرية

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول

على مدى خمسة أيام، في الفترة من 20 إلى 24 فبراير/شباط الماضي، شهدت أبوظبي الدورة السادسة عشرة لمعرض ومؤتمر الدفاع الدولي «آيدكس 2023»، والدورة السابعة من معرض الدفاع والأمن البحري «نافدكس 2023». وقد شهدت هذه الدورة من المعرضين إضافة نوعية مميزة، تمثلت في انطلاق «محادثات آيدكس ونافدكس»، التي انتظمت لأول مرة، واستقطبت مشاركة واسعة من قادة الفكر وصناع السياسات وخبراء بارزين عالميين لمناقشة أهم الموضوعات والتقنيات والحلول الأكثر ابتكاراً في المجالات الدفاعية. ووفرت الجلسات الحوارية منصة مثالية لاستعراض أهم القضايا بقطاعي الدفاع والدفاع البحري؛ حيث ناقش المشاركون فيها مجموعة من الموضوعات الحيوية، كالذكاء الاصطناعي والأنظمة الذاتية، والتنوع والشمولية، والتقنيات الناشئة، والتي باتت تؤدي دوراً رئيسياً في الكفاءة، ودعم صنع القرار، والقدرة على التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية.

وقد قيل الكثير عن «آيدكس» و«نافدكس»، وما يمثله لدولة الإمارات وللمنطقة ككل وللدول والشركات المشاركة. بيد أني أريد إلقاء الضوء على ما تتضمنته هذه الفعّالية من مظاهر الثورة في الشؤون العسكرية، لعل أهمها، إعادة هيكلة طريقة شن الحرب الحديثة، والتحول من حروب «الدمار الشامل» إلى «الحرب الدقيقة»، وتوظيف الأسلحة المتطورة كثيفة التكنولوجيا، وتطبيق تكنولوجيا المعلومات والرقمنة في القطاع العسكري، وزيادة الفعالية القتالية بواسطة رقمنة ميدان المعركة، والتحول في المذهب والتنظيم من التركيز على الجيوش التقليدية الأكبر عدداً إلى القوات المسلحة الأصغر حجماً والأعلى كفاءة. وبموازاة ذلك، ظهرت أشكال جديدة من الحروب، وهي حروب ذكية، أهمها حرب المعلومات والحرب السيبرانية.

ويوفر المعرضان منصة دولية لعرض أحدث التقنيات والابتكارات والمعدات الدفاعية والأمنية في قطاعات الدفاع البرية والبحرية والجوية؛ وهو ما يغطي عدة أبعاد للثورة الهائلة في الشؤون العسكرية، كما أشرنا آنفاً. ولا يستوعب هذا المقال إلقاء الضوء على هذه التقنيات والابتكارات والمعدات، لكني سأسلط الضوء على إحداها، وربما أكثرها إثارة، وهي الجنيّة الإماراتية.

و«الجنّية» هي طائرة من دون طيار، لا تستطيع الرادارات رصدها أو تتبعها، تنتجها مجموعة (إيدج Edge ) الإماراتية. وتصل سرعة «الجنّية» عند التحليق إلى 0.8 ماخ، بينما تبلغ سرعتها القصوى أكثر من 1000 كيلومتر في الساعة، وبإمكانها رفع أكثر من نصف طن من الذخائر على متنها لإيصالها إلى هدفها. وتمتاز «الجنيّة» بقدرتها على حمل مجموعة متنوعة من الذخائر، ومصممة لتلبية العديد من الاحتياجات العملياتية، سواء في البر أو البحر، إلى جانب قدرتها على العمل بسرعة فائقة.

والحق أن الطائرات من دون طيار (الدرون)، التي اكتسبت أهمية كبرى في السنوات الأخيرة،ولاسيما منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية العام الماضي، تعد أحد مؤشرات الثورة في الشؤون العسكرية المشار إليها آنفاً. ومن أهم العوامل التي أدت إلى تطور صناعة «الدرون» واكتسابها أهمية متنامية هو الدقة في الوصول إلى الأهداف وضربها، مع تفادي إيقاع ضحايا مدنيين بشكل غير مقصود. علاوة على ذلك، فإن إمكانيات الرصد والتخفي الهائلة لهذه الطائرات يجعلها قادرة على القيام بعمليات بسرية تامة (الطائرات المجهولة)، وجمع المعلومات، وإرسالها بشكل فوري من ساحة العمليات من دون أن يدرك العدو ذلك. ولذلك، لجأت الدول إلى تخصيص طائرات من دون طيار لمساعدة طائرات السرب المقاتلة على إصابة الأهداف بشكل دقيق وآني؛ بل وتصوير تفاصيل العملية (عملية قتل أيمن الظواهري) لحرمان العدو من استخدام المظلومية وورقة حقوق الإنسان وسيلة ضغط شعبي. والأهم من ذلك أن توظيف هذه الطائرات يُقلل من استخدام الطائرات الحربية التقليدية، وبالتالي ضمان سلامة الطيارين وحمايتهم من الوقوع في الأسر الذي يشكل خطورة بالغة على الدول، فضلاً عن استخدام العدو الطيارين الأسرى في الدعاية. ولعل حادثة إسقاط طائرة الطيار الأردني معاذ الكساسبة ووقوعه في الأسر لدى تنظيم «داعش» الإرهابي مثال واضح في هذا الخصوص، فقد أصبح الطيار الأردني مادة دعائية صادمة استخدمها الإرهابيون للنيل من معنويات الدول التي كانت تحاربهم، وأكسب العدو القدرة على توجيه الرأي العام للضغط على إيقاف تلك العمليات.

والخلاصة، أن دورة هذا العام من معرضي «آيدكس» و«نافدكس» استعرضت أهم أبعاد الثورة في الشؤون العسكرية، وهي المعدات فائقة التكنولوجية، وفي مقدمتها «الدرون». وكانت «الجنيّة» الإسهام الإماراتي الخالص في الاستخدام للعمليات الجراحية النظيفة كما يطلق عليها إعلامياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/cchyuhec

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"