الشباب والحلم المغاربي

01:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

تعيش المنطقة المغاربية على إيقاع مفارقات عجيبة، تجسد الهدر وتضييع الفرص في زمن المخاطر والتحديات، ففي الوقت الذي يحتضن فيه الفضاء المغاربي طاقات بشرية شابة ومتعلمة، وثروات طبيعية هائلة، ويمتد على موقع استراتيجي، ما زالت بلدانه هي الأقل ارتباطاً من الناحيتين، الاقتصادية والتجارية. وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو إلغاء الحدود والحواجز الجمركية، لفتح المجال أمام تنقل الأفراد والسلع، تفرض القطيعة نفسها بقوة بين قطبي هذا الفضاء (المغرب والجزائر)، بعد سنوات من إغلاق الحدود.

لقد انطلقت فكرة الاتحاد المغاربي حلماً في أوساط جيل المقاومة ضد الاستعمار الغربي في المنطقة، الذي حرص (جيل المقاومة) على تنسيق المواقف وتجنيد الإمكانات المتاحة لتعزيز الضغط على المستعمر، الذي ظل هاجسه استغلال الشعوب، وتكريس الفرقة والانقسام، وقد كبر الحلم أكثر بعد سنوات من الحصول على الاستقلال، حيث ترسّخت القناعة بأهمية التكتل في عالم مملوء بالتحديات.

كانت الانطلاقة طموحة عندما توصل زعماء الدول المغاربية (المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا)، إلى عقد اتفاقية مراكش في 17 فبراير/ شباط من عام 1989، وهي المبادرة التي رافقتها دينامية اجتماعية واقتصادية غير مألوفة، حيث عبّر معها الكثير من مواطني البلدان الخمسة، عن الرغبة في التواصل وصلة الرحم والتعاون، واكتشاف جمالية المغرب الكبير الذي يزخر بإمكانات سياحية وحضارية كبيرة.

ومع أجواء هذا الانفراج، بدأت الكثير من المبادرات بالظهور، على مستوى إكمال مؤسسات الاتحاد، ثم تعزيز اتفاقيات التعاون بين الدول الخمس، قبل أن تنقلب الأمور، وتتوقف العجلة، ويخيم الجمود مرة أخرى مع إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر في أعقاب العملية الإرهابية التي تعرضت لها مدينة مراكش في سياق ما يعرف بـ«أحداث فندق أطلس آسني» في عام 1994.

ورغم التحولات الكبرى المتسارعة التي شهدتها الكثير من مناطق العالم، وعياً بأهمية التكتلات الوازنة في كسب رهانات التنمية، وتحقيق الرفاه للشعوب من جهة، وتنامي المطالب الشعبية الداعية إلى فتح الحدود، واعتماد خطوات فعلية لترسيخ التعاون الاقتصادي وتشبيك العلاقات الكفيلين بتذليل كل الخلافات القائمة، إلا أن الهدر ظل هو سيد الموقف، ما جعل الفضاء المغاربي يحسب على رأس المناطق الأقل ارتباطاً من ناحية العلاقات التجارية والمصالح الاقتصادية.

وحلّت قبل أيام الذكرى الرابعة والثلاثون لتأسيس الاتحاد المغاربي، على واقع إقليمي سِمته التشظي وتضييع الفرص، ما يدفع إلى طرح سؤال، حول السبل الكفيلة بتجاوز هذا المأزق، الذي يورّث الأحقاد والضغائن للأجيال القادمة، بخاصة مع انخراط عدد من رواد شبكات التواصل الاجتماعي في تكريس هذه القطيعة، بتحويل مقومات المشترك المغاربي إلى نقط خلاف، وإقحام الشباب في معارك مصطنعة ضد التاريخ والجغرافيا.

إن هذه المناسبة التي لم يعد يتذكرها أحد مع الأسف، يفترض أن تمثل محطة لمساءلة الواقع، ورصد حجم الكلفة التي تتحملها المنطقة نتيجة سياسات الانغلاق على الذات، وعدم الوعي بالمصير المشترك لدول مجاورة، ولشعوب تربطها الكثير من الأواصر، في زمن تنامت فيه التهديدات والمخاطر التي تجعل من التكتل والعمل الجماعي قدراً محتوماً.

إن شباب المنطقة الذي يمثل قاعدة واسعة ضمن هرم السكان، بحاجة إلى خطوات تعيد إليه الأمل في مستقبل مشرق وآمن، يضمن كرامته، والتمتع بحقوقه المختلفة، أسوة بشعوب في مناطق مختلفة من العالم التي تنعم بأجواء من التنمية والديمقراطية، بدل تركه معرضاً لمختلف الإحباطات، وإغراءات الهجرة السرية، أو الارتماء في أحضان التطرف، ما يفرض على صانعي القرار طيّ الخلافات، واتخاذ خطوات تجسد مصلحة المنطقة وشعوبها بعيداً عن كل الحسابات الضيقة.

كما أن شباب البلدان المغاربية الخمسة، مطالب من جانبه، ببذل مزيد من الجهود، للتحسيس بكلفة الجمود المغاربي القائم، والتمسك بالخيار المغاربي والدفاع عنه ضمن فعاليات المجتمع المدني، وضمن الهيئات الشبابية للأحزاب السياسية، مع استثمار التقنيات الرقمية في تعزيز التواصل بين هؤلاء الشباب، وبلورة نقاشات بنّاءة، ومرافعات ضاغطة باتجاه تفعيل الاتحاد، والاستفادة من التجارب الإنسانية الرائدة في هذا الخصوص.

إن قدر الجوار يقتضي اعتماد رؤية متبصرة نحو المستقبل، تقوم على تحقيق التنمية الإنسانية، وتعزيز الإصلاحات السياسية الكفيلين بإدماج الشباب، وتمكينه، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وعلى كسب رهانات الشراكة والاندماج، كبديل عن للتعرض للهيمنة، في عالم متهافت ومملوء بالمخاطر والتحديات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/47wm67kn

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"