عادي

صعوبات تواجه مؤرخ الفلسفة الأمريكية

20:25 مساء
قراءة دقيقتين
تاريخ الفلسفة الأمريكية

القاهرة: «الخليج»

يؤكد كتاب هربرت شنيدر «تاريخ الفلسفة الأمريكية»، ترجمة د. محمد فتحي الشنيطي، أن الظروف الاجتماعية التي اكتنفت ازدهار التفكير الفلسفي في أمريكا الشمالية، تعد ظروفاً فريدة في التاريخ الإنساني، إذا ما قورنت بظروف القرون الأخيرة للإمبراطورية الرومانية، فعلى أرض هذه القارة التقت جماعات من مختلف أصقاع العالم، وعولت على أن تشكل أمة.

في أرض هذه القارة بذرت بذور التقاليد الثقافية الوافدة من أقصى الأقاليم والمنحدرة من أبعد العصور، وسرعان ما أينعت ثمارها معاً، ومن الخامات المستوردة تم نسج الفكر الأمريكي، لكن الأيدي التي نسجته هي أيدي الأمة الأمريكية، والأنماط التي تشكل عليها تنمّ عن نتائج جهود متضافرة، بذلتها أجيال في التخطيط والخبرة والتجارب.

يوضح الكتاب أن الأمريكيين اعتادوا أن يفكروا في تقاليدهم الثقافية في عبارات إقليمية، ذلك لأن الولايات وإن كانت قد اتحدت في بناء سياسي اقتصادي واحد، فثمة مناطق حضارية متمايزة داخل البلاد، وكل منطقة من هذه المناطق تسهم في تزويد التراث الأمريكي بلونها المحلي، وأفكارها الخاصة، فنيو إنجلند التي تقع في ركن صغير في الشمال الشرقي للبلاد هي مقر البيوريتانية والمثالية، وهما تياران نابعان من أصول مختلفة.

في هذا الكتاب اختار المؤلف العناصر الجوهرية للفكر الأمريكي، ومع ذلك فهناك في موضوعات الفلسفة الأمريكية ومصطلحاتها جوانب كثيرة تحتاج إلى أن تكون مفهومة فهما أعمق، وذلك بوضعها في سياقها التاريخي، وقد اتخذت الولايات المتحدة شكلها السياسي في عصر جرى العرف فيه، على أن يطلق عليه عصر الاستنارة، وبالتالي فإن هيكل المنظمات القومية يكون مفهوماً في حدود أفكار الاستنارة، وهي أفكار عالمية تماماً، وجدت تعبيراً عنها في ثقافات كثيرة.

لكن الأهم هو إدراك أن الحياة الأمريكية والفكر الأمريكي قد وقعا تحت وطأة أزمة عاصفة في منتصف القرن التاسع عشر، هذه الأزمة مرت، لكن الخصومات التي ولدتها ما فتئت تؤثر في عقول الأمريكيين ومعنوياتهم، فبالدماء والمرارة والأسى فُضّت الأزمة السياسية والاقتصادية، لكن مشكلات الحرية شائكة، ولا يمكن بطبيعتها أن تحل دائماً.

إن تجربة الحرب الأهلية التي اندلعت بين الأمريكيين قد خلقت لديهم الإحساس بأنهم انبعثوا من ثورة لا من مجرد عصيان، أو تمرد، وأنه ينبغي حل المشكلات العملية، والفلسفية في أناة ودون عنف، وفي غضون القرن العشرين نمت في التفكير الفلسفي الأمريكي نزعة جعلت له مغزى متميزاً، فليس ثمة ما يماثل هذا التفكير في أي مكان آخر، لكنه يتألف من عناصر عديدة، كثير منها وفد من أوروبا.

هذا التفكير هو في قسم منه ذروة عمل فلاسفة أمريكيين ماتوا، لكن أفكارهم دعامة لعمل أولئك الذين يعيشون، إن جهود ذلك الجيل الثوري الذي يضم: وليم جيمس، وشارل ساندرز بيرس، وجوزيا رويس، وجون ديوي، أنجبت مع الزمن شيئاً يقر به الباحثون عامة بأنه الفلسفة الأمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56dp8s7j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"