طموح زايد والقوة الناعمة الإماراتية

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *
شاهد الملايين عبر العالم وصول «طموح زايد-2»، في 4 مارس/ آذار الجاري، ممثلاً في رائد الفضاء سلطان النيادي، إلى محطة الفضاء الدولية؛ لتصبح دولة الإمارات ضمن 11 دولة في العالم تنخرط في مهمة طويلة الأمد لرواد الفضاء، تستمر نحو 6 أشهر. وقبلها بأيام، اختتمت فعّاليات معرضي الدفاع الدولي «آيدكس 2023»، والدفاع والأمن البحري «نافدكس 2023»، اللذين يرسّخان تحول الإمارات إلى عاصمة للمعارض والفعّاليات الدولية.

ولعل من حسن الطالع أنْ يصدر دليل القوة الناعمة العالمي لعام 2023، في 2 مارس/ آذار، متواكباً مع هذين الحدثين، اللذّين يرفدان القوة الناعمة لدولة الإمارات، بمصادر زخم جديدة. فقد دخلت الإمارات مجموعة العشرة الأولى في الدليل الذي تعده مؤسسة «براند فاينانس العالمية» بالمملكة المتحدة، في حدث غير مسبوق على المستويين، الوطني والإقليمي، وتقدمت خمسة مراكز مرة واحدة عن العام المنصرم، وحصلت على ميداليتين لإحراز تقدم هائل في الحوكمة وإمكانية النمو المستقبلي.

ويغطي الدليل 121 دولة حول العالم، ويتكون من 11 مقياساً، متضمنة في أربعة مؤشرات: معرفة الجمهور بالدولة/الألفة Familiarity، السمعة «الخارجية»، ودرجة التأثير في الدول الأخرى وفي المسرح العالمي، ومعدل الأداء في المقاييس الثمانية للقوة الناعمة (الأعمال والتجارة، الحوكمة، العلاقات الدولية، الثقافة والتراث، الإعلام والاتصال، التعليم والعلوم، الشعب والقيم، والمستقبل المستدام).

كما أن دور الإمارات في استكشاف الفضاء، ولاسيما وصول «مسبار الأمل» إلى المريخ ثم اتجاه «المستكشف راشد» نحو القمر، ونجاح «إكسبو دبي» 2020، وترشحها واستعدادها لاستضافة مؤتمر المناخ «كوب-28»، وجهودها المتواصلة في مجال المساعدات الإنسانية... أسهمت جميعاً في تبوؤ الدولة هذا المركز المتقدم على مؤشر القوة الناعمة العالمي. وبنظرة إجمالية على الدليل العالمي، نجد أنّ دولة الإمارات حققت تقدماً ملحوظاً في مؤشراته الأربعة جميعاً. ففي مؤشر معرفة الجمهور بالدولة أو الألفة، حلّت الإمارات في المرتبة الثالثة عالمياً، متقدمة 7 مراكز دفعة واحدة، مقارنة بالعام المنصرم. كما حققت الدولة تقدماً ملحوظاً في مؤشري السمعة ودرجة التأثير هذا العام. وفي مؤشر «درجة التأثير»، قفزت دولة الإمارات مرتبتين، لتحتل المركز الثامن على مستوى العالم. وفي مؤشر «السمعة»، تقدمت الإمارات ثلاثة مراكز لتتبوأ المركز ال17 عالمياً.

والأهم من ذلك، تقدمت دولة الإمارات في أغلبية المقاييس الثمانية للقوة الناعمة. ففي مقياس التجارة والأعمال، حققت الدولة تقدماً لافتاً في «إمكانات النمو المستقبلي» و«سهولة ممارسة الأعمال»، و«قوة الاقتصاد ومتانته». وفي مقياس «الحوكمة»، حازت الدولة ميدالية الشرف. وفي محور العلاقات الدولية، واصلت الإمارات تقدمها لتحل في المرتبة التاسعة على مستوى العالم في مؤشر «التأثير في الدوائر الدبلوماسية». وفي مقياس الإعلام والتواصل، حازت الإمارات مراتب متقدمة في «متابعة الجمهور العالمي» و«التأثير الإعلامي». وفي مقياس الشعب والقيم، أحرزت دولة الإمارات تقدماً كبيراً في مؤشر «الكرم والعطاء»؛ لتحل في المركز الثالث على مستوى العالم. وفي مقياس التعليم والعلوم، تقدمت الدولة في مؤشري «القيادة في مجالات التكنولوجيا والإبداع» و«الاستثمار في استكشاف الفضاء»؛ لترسخ مكانتها كدولة ابتكار في المنطقة. وأخيراً وليس آخراً، قدمت الإمارات أداء لافتاً في محور الاستدامة، في ما يتصل ب«استدامة المدن والنقل» و«الاستثمار في الطاقة الخضراء والتكنولوجيا النظيفة».

ويمكن إضافة مؤشرات نوعية أخرى إلى دليل القوة الناعمة، تتمتع فيها دولة الإمارات بميزة نسبية، لعل أهمها مؤشر قوة جواز السفر الإماراتي، وتحوّل الدولة إلى قوة معيارية في مجال تغير المناخ، وكونها البلد المفضل للشباب العربي للانتقال إليه والعمل والعيش فيه، والنموذج التنموي الذي تطرحه اقتصادياً (نموذج التنمية المتنوع مجالياً والمنفتح خارجياً)، وسياسياً (النموذج الاتحادي المرن ونموذج دولة المستقبل)، وثقافياً (نموذج التعددية الثقافية والتعايش السلمي بين الأعراق المختلفة).

والحق أنّ ما تحقق، ويتحقق من إنجازات غير مسبوقة على صعيد القوة الناعمة يمثل بصمة وراثية إماراتية منذ نشأة الدولة بقيادة الأب المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في عام 1971. وقد عبّر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن هذا المعنى، لدى افتتاحه متحف الشندغة بدبي، قبل أيام، عندما أكد أن «التاريخ هويتنا وعنواننا وجذورنا التي تزيدنا ارتباطاً وعشقاً لوطننا». وعليه، فإن هذه هي البصمة الوراثية التي تولّد مصادر متدفقة للقوة الناعمة لدولة الإمارات.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p87nrmw

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"