أعراض الكتابة.. أعراض الحب

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لم أتوقف عند ما قالته الروائية اللبنانية حنان الشيخ حول قصة حب كانت بينها وبين إحسان عبد القدوس (1919-1990)، فما جدوى الكشف عن علاقة كهذه بعد 32 عاماً من رحيل الكاتب الذي حوّل الرواية إلى سرد رومانسي صافٍ في زمنه، ولم يكن تتوفر له هذه الخاصية الأدبية لولا الكثير من قصص الحب التي لم يكشف عنها، وهي عموماً خصوصيات شخصية لا أرى أنها تقدّم أو تؤخر من الناحية الثقافية أو الإبداعية، تماماً، مثل الزوبعة العابرة التي أثارتها غادة السمان قبل سنوات، حين كشفت عن رسائل حب بينها وبين غسان كنفاني، لكن يبدو أن حتى تلك الرسائل لم تكن هي الأخرى ذات قيمة أدبية أو ثقافية جديرة بالتوقف عندها.
ما يلفت حقاً هو ما قالته حنان الشيخ عن الحالة التي تحيط بصاحب «الرصاصة لا تزال في جيبي»، فهي وصفت ما يمكن أن يُطلق عليه «أعراض الكتابة» عند الرجل الذي قدّم لتاريخ الفن والأدب والثقافة العربية أكثر من 120 عملاً بين السينما والرواية والدراما والقصة القصيرة، فهي تقول إنها رأت كم كان يستغرق من الوقت كي ينجز ما يكتب. تقول إن عبدالقدوس يصبح كله في عالم آخر، «كنت أراقبه وأفرح حين أرى أن الكتابة يمكنها أن تفعل بالشخص ما أراه على إحسان عبد القدوس». «الشرق الأوسط» 7 مارس 2023.
تلك الأعراض، أعراض الكتابة التي رأتها حنان الشيخ على عبد القدوس، وقد أصبح كلّه في عالم آخر، هي ذاتها أعراض الحب، وكلّنا نصبح في عوالم أخرى حين نحب. شيء من هذا القبيل لاحظته نجلاء، ابنة إدوارد سعيد على والدها، «يستيقظ في الصباح، يدور في أنحاء الشقة ويمسك بهذا الشيء أو ذاك»، وتقول إنه «حين كان ينجز أحد كتبه كان قلقاً، لا يهدأ، ويتنقل من مكان إلى آخر، ويتعذّب». من كتاب «إدوارد سعيد» لمؤلفه تمثي برنن.
والحب أيضاً عذاب، أو، نوع من العذاب، ولكنه عذاب عذب، والسجع هنا جاء بالمصادفة، ففي الحب عذوبة هي عذوبة الكتابة التي تحيل إلى الارتواء، والتشبّع، الاكتفاء.
كتب الكثير من الناحية النفسية والوجودية وحتى البدنية عن الكتابة، وحضورها وما تتركه من سلوك وانفعال على الكاتب، وأذكر أنني قرأت منذ زمن بعيد عن تغيّر لون بشرة بعض الكتّاب حين يقع في الكتابة، تماماً كالوقوع في الحب الذي يترك شحوباً وذبولاً ناعماً على وجه الرجل أو المرأة خلال تلك اللحظة الصوفية والوجودية في وقت أشبه بالمخاض.
الكتابة مخاض، بل هي ذاتها الحب، ولكن مربط الفرس هنا: أية كتابة؟ هل كل كتابة هي حب؟ هل كل كتابة هي شحوب وذبول ومخاض؟ لك أن تقع مرّتين لكي تعرف الإجابة: مرة في الكتابة، ومرة في الحب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3n2jp4wu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"