مواجهة في سماء البحر الأسود

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

لو بحثنا عن سبب تسمية البحر الأسود بالأسود لصادفتنا تفسيرات مختلفة. بعضها يقول إنه كان يعرف ب«البحر المعادي»، وإن أول من أطلق عليه التسمية هم قدامى الإغريق لصعوبة الإبحار في مياهه، ووجود قبائل متربصة تعيش على ساحله، وإن العثمانيين هم من سماه ب«الأسود»، وثمة إشارة إلى أن العرب كانوا يعرفونه ب«بحر روس».
نقرأ أيضاً أن الإغريق وصفوه بالبحر غير المضياف، ولكن بعد إنشاء المستعمرات على سواحله حوّل العرب اسمه إلى النقيض: البحر المضياف، ولكننا وجدنا تفسيراً يبدو مقنعاً أكثر  في حال صحّت الرواية  هو أن صفة الأسود مشتقة من مصطلح إغريقي هو «بونتوس أكسينوس» الذي يطلق على الأجسام ذات الألوان الداكنة، وقد أطلقت التسمية على هذا البحر بسبب العواصف الهوجاء التي تمرّ عليه وتسببت برواسب طينية سوداء في مياهه. أياً كانت التفسيرات وجذور التسمية، فإن البحر الأسود بات أسود. هكذا يعرفه العالم بقاصيه ودانيه. وهو لم يكن محط أنظار الإمبراطوريات القديمة وحدها، وإنما محط أنظار القوى الدولية الكبرى اليوم، القريبة منه جداً والبعيدة عنه جداً، فهو يقع في أوراسيا بين أوروبا والقوقاز والأناضول، وتحدّه من الشمال أوكرانيا، ومن الشمال الشرقي روسيا، ومن الشرق جورجيا، ومن الغرب بلغاريا ورومانيا، ومن الجنوب تركيا، وتقسمه شبه جزيرة القرم التي تشرئب نحوها الأعناق في لحظتنا الراهنة.
سماء البحر الأسود، المضياف وغير المضياف في الآن ذاته، كانت ساحة مواجهة بين طائرة روسية، ومسيّرة أمريكية، أسفرت عن تحطم الأخيرة لتهوي في قاع البحر، في ما وصف بأخطر المواجهات المعترف بها علناً بين واشنطن وموسكو، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
تفاوتت قراءات المحللين لما جرى، بين من يراه حادثاً عرضياً غير مقصود، ومن يراه رسالة أرادت موسكو إيصالها إلى واشنطن، التي «لن تكون سعيدة إذا سقطت تكنولوجيا المراقبة الحساسة للطائرة المسيّرة في أيدي روسيا»، وفق محلل «بي بي سي». ومعلوم أنه ليست الأسلحة الغربية فقط التي تساعد أوكرانيا في حربها مع روسيا، وإنما أيضاً المعلومات الاستخباراتية الهائلة التي تقدّم لكييف عن العمليات العسكرية الروسية.
ليس بعيداً عن مكان الصدام يقع منتجع يالطا في شبه جزيرة القرم، الذي إليه ينسب اسم الاتفاقية التي أبرمت في عام 1945 بين ستالين وروزفلت وتشرشل، ورسمت خريطة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فهل تكون المواجهة في سماء البحر الأسود إشارة أخرى إلى عالم جديد غير الذي كان؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46wyfye7

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"