الإمارات وفلسطين

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

العطاء، إضافة إلى أنه قيمة إنسانية تنموية، فهو فلسفة ومنهج سياسي يقوم على تعزيز الدور الإنساني للدول في المجتمع الدولي، ومع استدامته يتحول إلى ركيزة أساسية من استراتيجية العمل الخاص بالسياسة الخارجية، شرط أن يكون متحقّقاً في السياسة المحلية الداخلية، وكما يقال في لغة الأدب، من يسعى للوصول إلى العالمية عليه الانطلاق من المحلية، حيث الجذور والأصالة، وحيث إبراز الشخصية الوطنية بكل حمولاتها. ومن المعروف وجود شخصية وطنية للفرد وشخصية وطنية للدولة، يتقاطع الطرفان في جل المعارف والميادين، لتكون المخرجات وطنية تشمل الدولة كمؤسسات، والشعب كأفراد وجماعات.

ويمكن النظر إلى المحلية من مستويات عدّة، المحلية بما تعنيه كل ما يقع داخل حدود الدولة، وتعني أيضاً ما يحيط بالدولة، حتى يتماهى في التماثلات الرئيسية مع الشعوب الأخرى، كاللغة والمعتقد والعادات والتقاليد ووحدة المصير والمصالح المشتركة، وتصبح القومية انطلاقاً من هذا المنظور محلية، ويمكن تبسيط الفكرة بخارطة تضع البيت أولاً، ثم الجيران.. وهكذا.

وفلسفياً أيضاً، فإن الإمارات تعتقد أن مصلحة الشعوب العربية وتنميتها هي شأن محلّي إماراتي، وبالتالي تشعر بمسؤولية عالية النبرة. وقد آمنت منذ إنشائها بهذه السياسة، وترجمتها على أرض الواقع، فاحتلت المرتبة الأولى على مستوى الشرق لأوسط وشمال إفريقيا، وتصدّرت منذ العام 2013 حتى اليوم، قائمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لأكبر الدول من حيث المساعدات الإنمائية الرسمية، وبلغت قيمة المساعدات الخارجية من العام 2010 حتى 2021 أكثر من 206 مليارات درهم.

وعودة إلى تعريفنا الواسع للمحلية، فإن الإمارات تعاملت منذ قيامها مع قضايا عربية تنموية كثيرة على أنها شأن محلي، وكان التعامل الأكبر في هذا السياق مع القضية الفلسطينية، ولنبدأ بالأحدث نظراً لأهمية الفعل سياسياً واستراتيجياً ووطنياً وقومياً ومبدئياً في إطار ما تشهده المنطقة من تحولات، ويتجسّد ذلك في توجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، بتقديم ثلاثة ملايين دولار لدعم إعمار بلدة حوّارة الفلسطينية، والمتضررين من الأحداث الأخيرة، وهي مبادرة وطنية وإنسانية تؤكد استمرار موقف الإمارات الثابت تجاه القضية الفلسطينية. وكان صاحب السمو رئيس الدولة قد أكّد على هذا التوجه في الأول من سبتمبر (أيلول) من العام 2020، بكلمة وجهها للجالية الفلسطينية في الإمارات قال فيها: اليوم والإمارات تتخذ قرارها السيادي من أجل السلام والمستقبل، أؤكد لكم أنكم في بلدكم الثاني بين أهلكم، كما أؤكد على أن هذه العلاقة بين الشعبين الإماراتي والفلسطيني ثابتة وراسخة ولن تتغير.

وفي الواقع، فإن العلاقة بين الإمارات والقضية الفلسطينية قائمة وبزخم منذ قبل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد تمثّلت في العلاقة بين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمغفور له ياسر عرفات، رحمه الله، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية. ففي العام 1968، تم افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في أبوظبي، وفي الخامس من فبراير (شباط) من العام 1989، وضع الشيخ زايد وياسر عرفات، رحمهما الله، حجر الأساس لسفارة دولة فلسطين. إضافة إلى ذلك، كانت الإمارات أول دولة عربية تعترف بدولة فلسطين بعد إعلان استقلالها في العام 1988. كما أثمرت العلاقة بين الطرفين الإماراتي والفلسطيني مشاريع عملاقة أهمها بناء مدينة الشيخ زايد في شمال قطاع غزة، وبناء 800 منزل في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية في العام 2002، إضافة إلى مشاريع تنموية هنا وهناك داخل فلسطين.

وتواصل التزام الإمارات بالقضية الفلسطينية في عهد الشيخ خليفة بن زايد رحمه الله، والمواقف والمشاريع الكثيرة شاهدة على ذلك، من بينها مدينة الشيخ خليفة السكنية في خان يونس شمال قطاع غزة في العام 2005، والشيخ خليفة هو القائل: «إن دولة الإمارات العربية هي جزء من الوطن العربي، وقضية الشعب الفلسطيني هي قضيتنا، وسيستمر دعمنا لنضال الشعب الفلسطيني بلا حدود..».

العطاء فلسفة وإيمان بالمبدأ والقيمة، والإمارات دولة مبدأ، وما فلسطين سوى نموذج تم ذكره لأهمية الفعل في هذا الظرف، أما النماذج الأخرى فتحتاج إلى مجلدات أيضاً، وهو ليس منّة على أحد، إنما هو المسؤولية الوطنية.. والحديث ذو شجون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n7kscpj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"