محمد بن زايد.. نبض العاصمة الإدارية لمصر

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.صلاح الغول *
كنت في زيارة قصيرة للمحروسة، قضيت معظمها في قاهرة المعز، وألممتُ بالعاصمة الإدارية الجديدة. وقد أخذني العجب في جولتي بالعاصمة الجديدة؛ لروعة تصميمها، وفخامة مبانيها، وانسيابية شوارعها ومحاورها، ومراعاة الاستدامة في كل ركن من أركانها. تشتمل عاصمة مصر الجديدة على عشرين حياً سكنياً، وأحياء ومناطق متخصصة، مثل الحيين المالي والدبلوماسي، ومنطقتي الأعمال والوزارات والهيئات الحكومية، ومطاراً دولياً، وطائفة من الجامعات والمدارس الدولية المتنوعة، ومقرات لشركات وأعمال عالمية، ومساجد فسيحة يتسع بعضها لأكثر من مئة ألف مصل وزائر أشهرها «الفتّاح العليم»، وكنائس عدة أشهرها كاتدرائية ميلاد المسيح المجاورة للمسجد الأخير، ونهراً أخضر ينساب فيها من مدخلها إلى آخر أحيائها السكنية.

وقد وجدتُ أن العاصمة الإدارية محملة برموزٍ وإيحاءات وإشارات كثيرة لمن يتفكر فيها من أولي الألباب. أول هذه الرموز التي لفتت نظري للوهلة الأولى هو عمق العلاقات الإماراتية- المصرية؛ فمحوري محمد بن زايد الشمالي والجنوبي يخترقان العاصمة الإدارية من أقصاها إلى أقصاها، وهذا يدل على أن الإمارات في قلب مصر، وأن كلمات حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عن أن «مصر بالنسبة للعرب هي القلب» صارت واقعاً يمشي على الأرض. ولعل ذلك أحسن احتفال بالعلاقات بين الدولتين التي شهدت العيد الفضي لتأسيسها منذ أشهر معدودة.

ولعمري أن التصميم العجيب والتنفيذ المدهش لمشروع العاصمة الإدارية، الذي يدمج الفن الهندسي الحديث بمعالم التراث الفرعوني والإسلامي، والذي كان حلماً راود خيال رجل واحد، هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، ظن معظم الناس حوله أنه أضغاث أحلام، أقول: إن هذا المشروع الكبير يعبر عن طموح الرئيس لجعل العاصمة الإدارية قطباً ثقافياً بارزاً، يزاوج بين الأصالة والحداثة، تقصدها الذائقة الثقافية والفنية من كل ناحية وفج، ووجهة سياحية عالمية تُشكّل جسراً ثقافياً وحضارياً بين العالمين العربي والغربي.

ولا يقل عجب «فقه الأولويات» لدى الرئيس السيسي عن عجب العاصمة الإدارية الجديدة. ففي كلمته إلى القمة العالمية للحكومات بدبي، في فبراير المنصرم، عبر الرئيس المصري أنه استلم مسؤولية إدارة الدولة المصرية في منتصف عام 2014، ولم يضع أجندة أولويات لمشروعاته التنموية أو سياسته الداخلية؛ لا لشيء إلا لأن كل شيء في المحروسة مثّل أولوية في حد ذاته. فمكافحة الإرهاب كانت أولوية. وصيانة وتجديد البنية التحتية المهترئة كانت أولوية. وتشييد عاصمة «إدارية» جديدة كان أولوية. وتجديد الخطاب الديني كان أولوية. ومعالجة المشكلات الاقتصادية والديموغرافية كانت أولوية. ومن ثم، كان الحل هو محاولة التعامل مع هذه الأولويات جميعاً، وفي نفس الوقت، وبطريقة متوازية؛ ما أثقل كاهل الحكومة، وجعل المواطنين يختبرون أوقاتاً صعبة. ولكن الفرج قريب

ولعل أكبر مضمون تنموي مستدام لتشييد العاصمة الإدارية الجديدة في قلب الصحراء الشرقية هو جذب السكان من الوادي الضيق، الذي لا يمثل سوى 6.5% من مساحة مصر الكلية، لكنه يكتظ بنحو 95% من سكانها، إلى الأودية الأوسع والأرحب في شرقي مصر، ولاحقاً في غربيها. ويهدف الرئيس السيسي إلى توسيع المساحة المسكونة من البلاد إلى أكثر من 12%؛ أي إلى الضعف تقريباً. ويتصل بذلك تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ بضعة أيام، خلال افتتاح مجمع مصانع الأسمدة الأزوتية في العين السخنة، أن الدولة المصرية تسابق الزمن لإدخال مشروعات استصلاح الأراضي في مناطق الدلتا الجديدة وتوشكي ووسط سيناء، والتي تقدر ب3.5 مليون فدان إلى الخدمة، وهو ما يساوي نحو ثلث مساحة الأراضي الزراعية القديمة الموجودة في مصر؛ ما يسهم في التنمية الزراعية. وما من شك أنه ما من حاكم قبله منذ توحيد القطرين وتأسيس مصر عام 3200 ق.م. تمكن من إضافة هذه المساحة إلى الرقعة الزراعية في فترة حكمه، طالت أم قصرت.

والأهم من ذلك كله أن زيارتي التي استغرقت أسبوعاً لمصر وجولتي في عاصمتها الإدارية الجديدة جعلتني ازداد إعجاباً برجل الدولة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يُغير وجه الحياة في بر مصر منذ توليه المسؤولية بعد فترة عصيبة كادت تُضيع البلاد والعباد لولا وعد الله بحمايتها وصيانة أمنها. يقول تعالى في سورة يوسف على لسان أبيه عليهما السلام: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49yjvzy8

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"