عادي
فنون الروح

«الكوفي» سَكينة النفس

23:32 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

محمد عبد القادر، يلقب بشيخ الخطاطين المصريين، هو أحد الأسماء اللامعة في فنون وجماليات الخط العربي، اشتهر في كتابة الكثير من اللوحات بالخط الكوفي، وهو يمتاز بابتكاراته المتجددة في هذا الخط، ومن أعماله اللافتة واحدة اختار لها الآية القرآنية «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، وتصنف اللوحة ضمن الخط الكوفي المبتكر، حيث نلحظ في هذه اللوحة تصميماً فريداً بالغ الروعة.

أول ما يلفت النظر في هذه اللوحة، حرص الخطاط محمد عبد القادر على تقديم الحرف الكوفي مسنوداً بجمالياته المعروفة، بوصفه خطاً هندسياً بالأساس، وهو يحتاج إلى خيال هندسي، لما يتطلبه هذا الخط من شكل جديد في مساحة وشكل اللوحة، سواء كانت مربعة، أو مثلثة، أو مستطيلة، وفي أحيان أخرى دائرية. وفي الشكل الماثل في اللوحة، حرص الخطاط عبد القادر على وضع النص القرآني، في مساحة مثلثة الشكل، فكان لزاماً عليه أن يقوم بإبداع تصميم وخط حروف هذه الآية محافظاً على تناسقها وجماليات ترتيبها في تلك المساحة المخصصة، وقد ساعده على ذلك معرفته بالتحكم في خط الحرف الكوفي بوصفه خطاً مرناً ومطواعاً، ويسهل تشكيله كما يريد الخطاط مع حرصه على إبراز أشكال حروفه المتشابهة، وتزيين وتنقيط ما أمكن من هذه الحروف.

لمسات

والمسألة المهمة في هذه اللوحة، مراعاة الخطاط للشكل الزخرفي الذي يود تزيين لوحته به، ومن المعروف أن الخط الكوفي هو من أقدم الخطوط العربية، وهو أيضاً خط زخرفي، والزخرفة المستخدمة هنا، هي الزخرفة النباتية، التي تعتمد على عناصر الطبيعة، واستلهام هذه العناصر لتضيف إلى جماليات الخطوط، وهذه الزخارف تتميز بالتقابل، والتنوع، والتكرار، والتناظر، كما أنها تضيف لمسات جمالية إلى اللوحة، خاصة في الزوايا التي تحيط بهذه اللوحة.

الزخرفة بهذا المعنى، تضيف إلى جمال الشكل، كما أنها تستلهم ما في الهندسة من تجريد، وهو نظام اتبعه كثير من الخطاطين والمزخرفين العرب في فترات عدة من العصور الإسلامية.

لقد حرص محمد عبد القادر على إبراز جماليات خاصة في هذه اللوحة، زخرفة تليق بالكوفي كخط رصين، وهي ملاحظة قد لا يلتفت إليها كثير من المتلقين، فالزخرفة مدروسة بعناية لجهة تحقيق التوازن المنشود في صلتها بأبعاد اللوحة، وما فيها من ألوان، وما قد توحي به من تشابه أو تماثل للطبيعة الحية التي نعيشها، بما فيها من نباتات، وأشجار، وألوان، وأغصان، وتقوم كلها على وحدة عضوية في منظور الفن الإسلامي، وما يطرحه من جماليات من حيث الشكل والمضمون.

لقد ثبَّت محمد عبد القادر الآية القرآنية «وجعلنا من الماء كل شيء حي» في منتصف مثلث باللون الأزرق، وهذه لفتة فنية ساحرة وذكية، فهو قد استوحى الشكل الذي يحتضن الماء في الطبيعة، استوحى الأزرق المعكوس على الماء، حيث يوجد هذا الماء في البحر والمحيطات، كما استوحى الماء بمضمونه الديني، وما تتضمنه الآية الكريمة من معان، وربما ما يتضمنه الماء في السرديات التراثية والفكرية، فالماء رمز للحياة، وهنا يوائم الخطاط بين المعنى والشكل الظاهري، أي وجود الماء في الطبيعة، وكأنه يؤاخي ما بين الشكل والمضمون، من خلال سحر التصميم وغنى وتوهج الصورة التي تعكس تلك العلاقات المتوازنة في الوجود، في لوحة أقل ما تتصف به بالسردية البصرية والشعرية. ولد محمد عبد القادر بمدينة القاهرة، وتلقى تعليمه في فترة الطفولة بالمدارس الملكية، بدأت مسيرته مع الخط على يد أستاذه محمد رضوان ضمن منهاج اللغة العربية، حصل على أول شهادة له في الخطوط سنة 1933، ونال المرتبة الأولى وعمره لم يتجاوز الثامنة عشر، كما حصل على جائزة الملك فؤاد الأول وكان أصغر الطلاب سناً عند تخرجه.

حصل على الدرجة الأولى في مجال الخط والتذهيب، فنال على إثرها جائزة الملك فاروق الأول، وكان في العشرين من عمره، كما حاز جائزة الدولة مع أستاذه رضوان محمد علي، الذي لازمه نحو 40 سنة، ومعه أيضاً حصل على وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى في عهد الرئيس جمال عبدالناصر تقديراً لما قدماه لفن الخط العربي.

استطاع عبد القادر أن يتقدم بسرعة إلى مصاف كبار الخطاطين المصريين في عصره، كما صدر له كتاب بعنوان «من الخطوط العربية» وضع فيه خلاصة أبحاثه وتجاربه وصدر عن الهيئة المصرية للكتاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ms88sh5t

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"