عادي

إهمال العبادات.. إهدار لمكاسب رمضان

22:40 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

يصاب بعض الناس بفتور غريب تجاه العبادات والطاعات بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، كما يعود بعضهم إلى حالة اللهو وعدم الالتزام الأخلاقي، فكيف ينظر العلماء لهذه السلوكيات؟ وكيف نتعامل معها وقد أصبحت ثقافة راسخة في نفوس بعضهم لنغيرها ونجعل الإقبال على العبادة نهجاً دائماً على مدار العام؟

يؤكد د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن فتور العبادة بعد رمضان سلوك معتاد من كثير من المسلمين، وأنه لا ينبغي التعامل مع هؤلاء بسوء ظن أو نطاردهم بعبارات التوبيخ واللوم، بل واجب علماء ودعاة الإسلام أن ينصحوهم ويوجهوهم إلى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم حتى يواصلوا طاعاتهم وعباداتهم ووجوه الخير الذي أنفقوه في رمضان.

ويقول: طبعاً، لا يليق بمسلم واعٍ فاهم لتعاليم ومقاصد العبادات، أن يهدر ما خرج به من رمضان من عطاء إلهي وافر، فكل من عاش الشهر بوجدانه ومشاعره وعاطفته الدينية، وسعى في هذه الأيام المباركة إلى طاعة ربه والتقرب إليه بصنوف الخير يجزل الله العطاء ويضمه إلى قافلة عباده الطائعين. لذلك، فإن سلوك المسلم بعد رمضان ينبغي أن يكون امتداداً للشهر الفضيل، فيحرص على العبادات والطاعات، ويتقرب إلى خالقه بالصدقة، والعطف على الفقراء، وصلة الرحم، والإحسان إلى الجيران، وكل من يؤدي عباداته على الوجه الأكمل ويحسن إلى الناس، ويتعامل معهم بتسامح وعفو ورحمة ينال ما وعده به الرسول الخاتم، صلى الله عليه وسلم، وهو العتق من النار.

ويرى د. هاشم أن من واجب المسلم الذي صلى وصام وقام الليل واعتكف طاعة لله وتجرد من الغل والحقد والحسد، وأعان أصحاب الحاجات، وأحيا ليلة القدر بالطاعة والعبادة، أن يضاعف من عطائه الروحي والأخلاقي بعد رمضان. ويقول: الأمر هنا لا ينبغي أن يقتصر على أداء العبادات المفروضة، بل العطاء الإنساني ينبغي أن يستمر بعد رمضان؛ لأن بعض الناس يركزون عطاءهم للفقراء والمساكين فيه فقط، وهذا لا يصلح.

وعن المكاسب التي خرج بها المسلم الصائم الملتزم بأخلاقيات الصوم، وينبغي أن يحافظ عليها، يقول د. هاشم: «المكاسب كثيرة ومتنوعة، فرمضان، كما علمنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شهر تربية روحية، وتدريب عملي على كثير من الفضائل الإنسانية والقيم الاجتماعية التي لا غنى للمسلمين عنها في حياتهم، فهو يعلمنا الصبر ويدربنا عليه عملياً. وفي رمضان، يتخلق المسلم الصائم بخلق الأمانة وضبط النفس على أكمل صورة، ولا إيمان لمن لا أمانة له، ولا عهد له. ولذلك، فإن بقاء ثمار الصوم مع المسلم بعد رمضان تعني أن تستمر معه الأمانة، والصبر، وما أعظم من يتحلى بهاتين الصفتين في حياته العملية».

ارتقاء

د. نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في مصر، يوضح أن الاستمرار في مكاسب وأخلاقيات رمضان أبرز العلامات التي تؤكد أننا استفدنا من عطائه الذي يمتد مع المسلم طوال العام.

ويقول: عطاء رمضان ازدان بالحرص على العبادات والطاعات، وبإشراقات الحب والخير في العلاقات الإنسانية، والتي عشنا في رحابها شهراً، لا بد أن تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولا بد للنفوس المؤمنة التي تشبعت بقيم رمضان العظيمة، ودروسه النافعة، أن تجسد هذه القيم، وتحقق هذه الدروس بعد انتهائه في الارتقاء النفسي والسلوك الأخلاقي اليومي، والحياة الاجتماعية والروابط التي تهذب أصحابها بأخلاقيات الشهر الفضيل.

ويضيف: لو اختفت مكاسب رمضان من حياتنا وسلوكياتنا، ونمط حياتنا بعد انتهائه، فهذا يعني أننا خسرنا الكثير، وأننا تعاملنا مع عبادات الإسلام وطاعاته المتنوعة في الشهر الكريم بعقول قاصرة وأفهام مغلوطة، وأنها لم تترك أثراً في حياتنا، ولم تترجم صدق تعاملنا مع الله ومع الناس.

ويرى د. عياد أن أهم ما ينبغي أن نحرص عليه بعد رمضان، إضافة إلى العبادات المفروضة، مراقبة الله في أعمالنا حتى نحسن أداء أعمالنا الحياتية تلقائياً، لا خوفاً من شخص، ولا رهبة من قانون. ويوصى كل مسلم بأن يطبق ما تعلمه وتعوّد عليه في رمضان من قيم روحية واجتماعية، ورقابة ذاتية، حتى تنضبط النفوس، وتصلح الأعمال، وتستقيم أمور الناس طوال العام.

ويضيف: وصية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنا بأن نصوم ستة أيام من شوال يريد بها أن نعيش دائماً في ذكرى رمضان، وفي ظلال تجاربه المثمرة المفيدة، على اعتبار أن للصوم أثراً إيجابياً في صلاح الإنسان واستقامة حياته على منهج الله.

لذلك، يخطئ بعض المسلمين الذين ينشطون في طاعة الله وعبادته في رمضان، فإذا ما انقضى فترت نفوسهم، وعادوا إلى سيرتهم الأولى. ويجب أن يعوا المقاصد الحقيقية للعبادات والطاعات، فالإسلام لا يعرف ولا يقر هذا الانفصام، فالله عز وجل إذا تقبل عمل إنسان وفقه إلى بعده، حتى قيل: «علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها»، فمن صام رمضان ثم ظل على تقواه واستقامته وصلاحه، وبعده عن المعاصي بعد رمضان، كان ذلك دليلاً على قبول الصيام.

تصحيح المفاهيم

د. فتحية الحنفي

حسب د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، لا توجد في الإسلام مواسم للعبادات والطاعات، فإذا ما انقضت انصرف الناس عنها، لذلك يجب على العلماء والدعاة تغيير مفاهيم عامة الناس بالنصيحة الصادقة والكلمة الهادئة. وتقول: هناك مفاهيم كثيرة في حاجة إلى تصحيح، ومنها أن رمضان موسم للعبادة والطاعة، ولذلك فإن هناك بعض الشباب لا يواظبون على الصلاة إلا فيه ، ولا يصومون غيره ولا يعلمون أن عبادة الصوم ممتدة على سبيل التقرب إلى الله طوال العام. وهناك من يصوم ولا يصلي. واجبنا أن نبين أنه إذا انتهى رمضان، فإن العبادة لا تنقضي، وعمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه لبدنه، وهو مطالب بالمداومة على طاعة الله حتى يتوفاه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4t2kjb4h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"