عادي
ثقافة عائلية في البذخ والإسراف

الطعام.. النعمة المهدرة على موائد رمضان والأعياد

01:35 صباحا
قراءة 6 دقائق

رأس الخيمة: عدنان عكاشة

تتفق شخصيات مجتمعية على أن إهدار الطعام على موائد شهر رمضان المبارك وعيدي الفطر والأضحى، ظاهرة مجتمعية لا يُمكن إنكارُها ولا التغاضي عنها، فيما تنطوي على مخاطر اقتصادية واجتماعية وتربوية وأخلاقيّة، ووسط هذه الظاهرة السلبية، تظهر بوادر إيجابية من أهمها مبادرة «حفظ النعمة» لدى بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية، بجانب الوعي المجتمعي المُضاد للتبذير والإهدار للموارد الغذائية، والذي تدعمه شخصيات ومؤسسات مجتمعية.

نفذت المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء «نعمة» برنامج إنقاذ الغذاء، جزءاً من حملة صون النعمة، التي أُطلقت مطلع رمضان، لرفع مستوى الوعي، وتشجيع الخطوات العملية للحد من هدر الغذاء، وإعادة توزيعه.

بفضل جهود المتطوعين نجحت المبادرة خلال رمضان، حتى حينه، في إنقاذ وتوزيع 156227 كيلوغراماً من المنتجات الفائضة، استفادت منها أكثر من 5000 أسرة، في أبوظبي والعين والشارقة.

الصورة

وقال د. يوسف القصير، أستاذ القانون: إن رمضان شهر الرحمة والعطاء وراحة الأبدان من الإفراط في الطعام والشراب، وباعتقادي، فإن الإسراف والهدر، سواء في البيوت أو المطاعم كبير جداً، ولا يمكن التخمين بحجمه، بينما قدرت إحصاءات سابقة معدلات هدر الطعام، خلال شهر رمضان، ب30% من إجمالي الهدر خلال العام بأكمله، وقدّرت دراسات كلفة الأغذية المهدرة في الدولة بنحو 13 مليار درهم سنوياً، مؤكدة أن نحو 47% من وجبات الإفطار في رمضان يكون مصيرها النفايات، وهذه أرقام مقلقة.

وعزا د. يوسف الهدر والإفراط في النزعة الاستهلاكية خلال رمضان والعيدين، إلى التنافس المُفرط والحاد في تقديم الإعلانات والدعاية غير المراقبة، سواء للمطاعم والخيم الفندقية أو أسواق «الهايبرماركت»، فضلاً عن الثقافة العائلية العربية في البذخ والإسراف على الموائد، والتباهي في اختيار الوجبات الرمضانية التي فيها إسراف، وربما هناك جوانب نفسية لدى المستهلك الصائم، خاصة أثناء فتره الصيام، عندما يدخل الأسواق، حيث تنفتح شهيته لكل ما لذ وطاب، وربما لما ليس له حاجة إليه.

إهدار ضخم

أشار الباحث الاقتصادي د. يحيى الشحي، إلى أن 13 مليار درهم هي حجم وقيمة الطعام المهدر في 45 فندقاً، في نتيجة لدراسة بحثية أُجريت عام 2018، بالتعاون بين جامعة خليفة ومعهد مصدر، وهو ما يعني أن القطاع الفندقي، يسهم مساهمة كبيرة في هدر الموارد الغذائية. وقال إن أرقام ومؤشرات هدر الطعام صادمة، ما يدل على مدى تفاقم ظاهرة الاستهلاك السلبي، حيث تتضاعف معدلات الهدر من حيث نصيب الفرد.

ووفقاً ل«كربون دبي»، تعد الإمارات من الدول التي لديها أعلى إنتاج من مخلفات الطعام في العالم، حيث يبلغ 6 مليارات درهم سنوياً، فالطعام المعد يومياً ينتهي 38% منه إلى سلة النفايات، وفي رمضان تتراوح نسبة الهدر ما بين 40% إلى 60%. وكشف الباحث الاقتصادي، عن أن إنتاج الفرد اليومي من مخلفات الطعام في أوروبا هي 1.2 كيلوغرام، بينما يصل في الدولة إلى 2.7 كيلوغرام، ويتضاعف في رمضان إلى 5.4 كيلوغرام.

فائض يومي

قال سالم عنبر، مدير عام جمعية الإمارات للتنمية الاجتماعية، إن كل شخص يُمكنه احتساب حجم الهدر والاستهلاك في بيته وعلى مائدته اليومية، حيث يكون هناك فائض يومي في كميات الطعام، وهو ما يحدث أيضاً في الشهور الأخرى.

ولفت إلى وجه آخر للإسراف والهدر، خلال رمضان والعيد، يتمثل في أن المشوار الشهري لتموين المنزل وشراء حاجيات العائلة من الأسواق يتحول إلى مشوار أسبوعي في الشهر المبارك، أو حتى إلى سلوك يومي في بعض الحالات، ويمكن قياس هذا الواقع على مستوى المطاعم والفنادق.

وبيّن أن ظاهرة الإسراف في الموارد الغذائية، خلال رمضان المبارك والعيدين، ترجع إلى عادة متوارثة، لكن الواجب علينا أن نصحح هذا السلوك السلبي، ونواجه ونعالج الرغبة في تنويع الأطباق وتعدد الوجبات على المائدة، لإرضاء الأبناء، لأن هذا يؤدي إلى التبذير في الموارد الغذائية، والإسراف في الجهد والطاقة والصحة خلال نهار رمضان.

سعيد لحة

الماضي والحاضر

لفت مدير عام «الإمارات للتنمية الاجتماعية» إلى منظور إيجابي، لكنه يُنفذ بطريقة عشوائية تُفضي إلى الإسراف، وهو تبادل الأطباق بين الأهل والجيران، وهي عادة تراثية وسلوك مجتمعي متوارث، لكنه كان يجري في الماضي في ضوء التنسيق بين الجيران قبل إعداد الفطور، كل في منزله، بينما في أيامنا هذه يغيب التنسيق المسبق، الأمر، الذي يؤدي إلى تكرار الأطباق وحدوث فائض في الطعام.

ولتفادي هذا الإسراف والإهدار في الموارد الغذائية والاقتصادية، يشير إلى قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، وهي آية نستوحي منها خطة العلاج، كما يقول، بأن نبدأ بأنفسنا وفي منازلنا، عبر الحل الفردي، عن طريق كبح جماح التبذير في البيت، وترشيد استهلاك الطعام في الأسرة، ووضع ضوابط داخلية على مستوى المنزل، وتفعيل مبدأ «الجود بالموجود»، ثم العمل على التغيير المجتمعي.

اللامبالاة بالنِعم

شيخة الحاي، الباحثة والكاتبة في التراث الشعبي الإماراتي، قالت: «للأسف، تسود مجتمعنا العديد من الظواهر والسلوكيات السلبية، منها هدر النعمة في رمضان والعيد والعديد من المناسبات، على الرغم من أن هذا الطعام يكون صالحاً للأكل، وفي الشهر الكريم تتعد أصناف الطعام على موائد الإفطار، وفي النهاية تُهدر بإلقائها في القمامة، وإن كان البعض يودعها أحياناً في ثلاجات أو برادات مشاريع «حفظ النعمة».

مهرة صراي

وأضافت: «فعلاً هناك كثير من البيوت لا تُبالي بحفظ النعمة، ومنازلهم تُركت للخدم يتصرفون كما يشاؤون، وبالتالي يتخلصون من بقايا الطعام والوجبات الرمضانية ووجبات العيد بكبّها في القمامة، على الرغم من أن هناك الكثير من الفقراء والمحتاجين يحتاجون إلى هذا الفائض لإسكات جوعهم».

وأوضحت أن هذه الظاهرة تزداد في رمضان والعيدين، في مشاهد تُؤلم القلب، وهي نِعم أوصانا بها الله ورسوله، وفي القرآن الكريم يقول سَبحانه: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، ونحن وأبناء جيلنا تربينا على قيمة أن «النعمة زوّالة»، وهذا كان توجيه لنا من أمهاتنا وآبائنا، بأن نصون نِعم رب العالمين، حتى إذا سقطت منا كِسرة خُبز نتناولها وننفض عنها الغُبار ونأكلها، هكذا تعلمنا حفظ النعمة وصونها.

وعزت أسباب الإسراف والهدر في الموارد الغذائية، إلى تضخيم البعض لتصوره للصيام، باعتبار أنه يحرمه من الطعام خلال النهار، في فكر خاطئ وصورة سلبية، وهو ما ينتج عنه توتر وقلق، لذلك يشترون ويتناولون كميات مُفرطة من الغذاء.

وتقول: «نجد الأسر، في الأيام الأخيرة التي تسبق حلول رمضان والعيد، تجري على قدم وساق في الأسواق، لشراء كميات مُفرطة من الأغذية والحاجيات الضرورية وغير الضرورية، وبالتالي قد لا يستخدمون جزءاً منها ولا يحتاجون إليها، بسبب تعدد الأصناف وازدحام المائدة».

وتعتبر أن بعض أفراد مجتمعنا تنقصهم ثقافة التحكم النفسي في عملية الشراء، ويُعانون حدة التسوق العشوائي والتبذير، حيث يضعون في عربة التسوّق ما يحتاجون إليه وما لا يحتاجون إليه.

محمد الباز

حزمة حُلول

في مواجهة الظاهرة ولكبح جماحها وتفادي هذا الهدر والإسراف، الذي يتنافى مع قيم «الصوم» وأهدافه، شددت شيخة الحاي، على وضع ميزانية مُسبقة لكل عملية شراء وتبضُع والتقيد بها، بجانب وضع قائمة للمُشتريات المطلوبة قبل التوجه إلى مراكز التسوق، ثم يجب على ربة البيت أن تكون واعية ومُدبرة، عبر وضع موازين دقيقة قبل الشروع في عملية طهي الطعام، بحيث يكفي أفراد الأسرة دون أن يفيض، وتوعية أبنائنا حول سلوكيات بعضهم، المتمثلة في الإسراف في تناول الطعام خارج المنزل، حيث يُنفق بعضهم مبالغ كبيرة في المطاعم، ثم يتركون الكثير من الطعام على الطاولة ويُغادرون.

المظاهر الخادِعة

سعيد لحة، مُؤسس قرية زايد التراثية في رأس الخيمة، يفسر ظاهرة هدر الطعام بسعي البعض إلى التباهي وبحثهم عن المظاهر الخداعة، في محاولة لإظهار مكانة خاصة لهم في المجتمع، سواء كان ذلك نتاج وضع مادي مُتمكن وحقيقي، أو في ظل حالة معيشية بسيطة لدى نسبة منهم، حتى أن بعضهم يضعون أنفسهم في مأزق مادي من أجل ذلك الترف وتلك المظاهر.

ولا تتوقف الظاهرة، من وجهة نظر سعيد لحة، على الواقع الميداني المعاش، في البيوت والمطاعم والفنادق؛ بل تمتد إلى الواقع الافتراضي، أو «السوشيال ميديا»، عبر تصوير البعض للوجبات والموائد، ثم نشرها في حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، لترويجها بين الناس وجلب الأنظار إليهم وسط المجتمع.

تجربة عائلية

قالت مهرة صراي، رئيسة فريق البسمة التطوعي في رأس الخيمة: «من واقع تجربتنا الشخصية والعائلية، فإن ما يفيض من طعام نبادر إلى توزيعه على العُمال والمحتاجين، بجانب وضع «ثلاجة خاصة» للطعام عند بوابة المنزل، نضع فيها وجبات خاصة وما فاض من طعام للعمال والمحتاجين، حفاظاً على «النعمة» ومنعاً لهدرها، وكنوع من مد أيادي العون والرحمة لذوي الحاجة، إضافة إلى توزيع الوالدة وجبات الإفطار من المنزل، قبل موعده بوقت كافٍ».

تقنين «الهدر»

أكد محمد الباز، مالك شركة مُتخصصة في تعهدات الحفلات، أن مشكلة هدر الطعام تواجههم بشكل يومي في مجال عملهم وفي الشركات المماثلة، في ظل وجود مساعٍ كبيرة إلى تقنين هذه الظاهرة والحد منها، بتدريب طاقم العمل لدى الشركة على طريقة تقديم وعرض المأكولات، بحيث لا نُساعد على إهدار الطعام.

وأضاف أنه بعد انتهاء الحفل، يُبلغ فريق العمل صاحب الحفل حول الكميات المُتبقية من «البوفيه» أو الوجبات الغذائية، لأخذها وتجنب التخلص منها بطريقة عشوائية أو إلقائها في النفايات، وتوزيعها في المقابل بطريقته الخاصة، وفي بعض الحالات يتم إرشاد أصحاب الأعراس والحفلات إلى الاتصال بالجمعيات الخيرية، التي تقوم على مشاريع «حفظ النعمة»، لتتولى توزيع الأكل على المحتاجين والمساكين، وبدورنا، بصفتنا شركة عاملة في حقل تجهيز الحفلات وإعداد الوجبات، نُبادر إلى توزيع وجبات مجانية بشكلٍ يومي، وبأعداد كبيرة، على ذوي الدخل المحدود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3e3rsdup

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"