بين النقشبندي وبليغ

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

بعد أذان الإفطار الرمضاني، وعلى مدار عقود اعتاد المصريون سماع ابتهال «مولاي إني ببابك» من الإذاعة والتلفزيون، ولهذا الابتهال حكاية تعود إلى بداية سبعينات القرن الماضي، ففي حفل زواج إحدى بنات الرئيس أنور السادات كان بين المدعوين إليه الشيخ النقشبندي والموسيقار بليغ حمدي. بعد انتهاء برنامج الحفل وقف السادات يودع الحضور، وحين رأى الشيخ والموسيقار، خطر في باله لحظتها خاطر. خاطب بليغ بالقول: «ليه يا بليغ ما تلحنش حاجة للسيد الشيخ»، مذكراً إيانا بتدخل جمال عبد الناصر لحمل محمد عبد الوهاب على التلحين لأم كلثوم.
نادى السادات الإعلامي الشهير وجدي الحكيم، وأمام الرجلين، بليغ والنقشبندي، طلب منه أن يتابع الأمر معهما، ويبلغه بما سيفعلانه أولاً بأول. كان عرض السادات بالنسبة لبليغ مفاجأة سعيدة للغاية، هو العالم بالقدرات الصوتية للنقشبندي وجمهوره الواسع في مصر، أما بالنسبة للشيخ فكان الأمر مربكاً ومحرجاً، فصورة بليغ في ذهنه هي صورة ملحن الأغاني العاطفية والموسيقى الراقصة، فكيف له، وهو مؤدي الابتهالات الدينية أن يؤدي شيئاً من لحنه.
استمرّ النقشبندي في تردده طويلاً، وقال للحكيم: «عايزني في آخر زمن أبقى مطرب يا وجدي، ما تشوف لي حل وتخليني أخرج من المطب ده». أما بليغ الذي أتته الفرصة من السماء فقد ذهب إلى الشاعر عبد الفتاح مصطفى كاتب كلمات الكثير من الأغاني ذات الطابع الصوفي، وأخذ منه مجموعة من قصائده حتى استقرّ على قصيدة: «مولاي إنّي ببابك قَد بَسطتُ يَدي/ مَن لي ألوذ به إلاك يا سَندي»، وللتغلب على تردد الشيخ اقترح عليه الحكيم أن يأتي الأستوديو ويستمع إلى لحن بليغ، فإن راق له أداه، وإلا فليعتذر.
سحر الشيخ بلحن بليغ وغادر تردده. بليغ حمدي بذكائه الموسيقي المعروف اختار للحن مقام البياتي الداخل في صميم الذائقة الموسيقية والروحية للقاعدة الأوسع من المصريين، الذين تأسرهم التواشيح والابتهالات ذات الطابع الصوفي، وبذكائه أيضاً أدرك بليغ أنه من الصعب تقييد النقشبندي باللحن، هو الذي اعتاد الارتجال ولم يسبق له أن أدى بمصاحبة الموسيقى أبداً، لذلك ترك له مساحة للارتجال، جاعلاً من أداء الكورال بمثابة الخلفية الموسيقية الضابطة لأداء اللحن، حتى أن بليغ وافق على تغيير بعض المفردات استجابة لرغبة النقشبندي، ومن ذلك تغيير عبارة «همس فؤداي» إلى «همس دعائي».
يومها قال بليغ للنقشبندي: «سأعمل لك لحناً يعيش مئة سنة». وبوسعنا اليوم القول إن اللحن سيعيش مئات السنين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yw7pds4w

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"