في موسيقى الشعر

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ترى الباحثة د. ألفت كمال الروبي في كتابها «نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين» أنهم تنبّهوا إلى أن الوزن وحده ليس هو الذي يميّز جوهرياً بين الشعر والنثر. وتقول د. الروبي: إن حجة الفلاسفة المسلمين في ذلك أن هناك أقوالاً موزونة، ولا تُعَدّ شعراً، وهذا صحيح تماماً، فلو سألك أحدهم إلى أين ذهبت أمس؟ وقلت له على وزن المتدارك (فعولن): «ذهبتُ إلى السوقِ يوم الثلاثاء كي أشتري ذرةً للطيور ولكنني لم أجد ذرةً، فرجعتُ إلى البيتِ وحدي»، فهذا المقطع موزون تماماً بلا أي غبار عليه، ولكن هل هذا يعدّ شعراً؟
 الإجابة أنه نظم، وليس شعراً، قام صاحبه بنظمه على وزن خفيف وسريع يلائم النثر وهو المتدارك، ولكنه، مرة ثانية، ليس شعراً على الرغم من أنه موزون، وما أكثر الذين يحاججون أن مجرد الكلام الموزون هو شعر؛ بل هو نظم لا روح شعرية فيه، وما أكثر النظّامين من هذا الطراز من نوع صاحبنا الذي ذهب يوم الثلاثاء ليشتري ذرةً لطيوره، فوجد السوق مقفلة، فقفل راجعاً وحده إلى بيته..بيننا وبين المحاججين المتعنّتين شعراء النظم لا شعراء الروح الشعرية. بيننا وبينهم الفلاسفة المسلمون من الكندي حتى ابن رشد، علماء العروض العربي، وفي الوقت نفسه هم علماء الكيمياء الشعرية التي تتفاعل بين الصور والكلمات والبناءات اللغوية ضمن شبكة معقّدة تتصل بدماغ الإنسان، وحتى دورته الدموية، والوجدانية.
يولي الفلاسفة المسلمون العلاقة بين الوزن والموسيقى اهتماماً بحثياً علمياً بالدرجة الأولى، ويؤكد هذا الاهتمام الفلسفي والشعري، أن العروض ليس مجرد تفعيلات وبحور واعتدال في الوزن ومعرفة في القافية والبحور الصافية وتلك المركبة فقط؛ بل العروض إلى جانب كل ذلك هو علم وفكر وفلسفة ونظرية وممارسة، تماماً مثل علم الموسيقى.
حتى اختيار البحر لا يأتي صدفة أو عشوائياً؛ بل لذلك صلة نفسية، روحية، إيقاعية بالموضوع الشعري والحالة النفسية؛ بل الوجودية التي تحيط بالشاعر لحظة الكتابة.
على سبيل المثال، إن تفعيلات أو بحور الرثاء مثلاً لا تأتي خفيفة سريعة مثل «فعولن» أو «فاعلن» وهما تفعيلتان أقرب إلى الغناء أو تلائمان ما هو غنائي أو وصفي أو تشكيلي، فيما المديح أو الرثاء تلائمهما بحور مثل الكامل، أو البسيط، أو الرمل.
تقول د.الروبي: إن الفلاسفة المسلمين حدّدوا ثماني تفعيلات، أو لعلّ الكندي وحده، وهو عالم موسيقى قد حاول تحليل هذه التفعيلات على أساس موسيقي وهي: فعولن، فاعلن، مفاعلن، فاعلاتن، مفاعلتن، متفاعلن، مفعولات، مستفعلن.
وإذا أردت أن تدقق جيداً في هذه التفعيلات فإن فاعلاتن مثلاً هي مستفعلن مقلوبة أو معكوسة، والفرق الإيقاعي أو الموسيقي بين فعولن، وفاعلن بسيط جداً، أما متفاعلن ومفاعلتن فتتطابقان تماماً في المتحركات وفي السواكن.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y2phpy33

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"