من يتعلم؟.. وكيف ومتى؟

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

«الانتهازيون» هم أوّل من وضعهم دانتي في جحيمه في عمله الخالد «الكوميديا الإلهية»، وأسوأ ما في الانتهازي أنه يجمع بين الكذب والاستغلال والنفاق، ولأنهم ثُلاثيّو الخطأ والخطيئة أرسلهم صاحب الكوميديا إلى الجحيم.

نقل حنّا عبّود «الكوميديا الإلهية» إلى العربية من خلال لغة وسيطة هي الإنجليزية، وكان دانتي قد كتب هذا العمل الحيّ أدبياً وثقافياً وفلسفياً إلى اليوم في نحو عام 1300، وكان هو شاباً في نحو الخامسة والثلاثين من عمره، ومع ذلك ملك ذلك الشاب الذي كان يحمل الكثير من المواقف الدينية والسياسية.. مَلَكَ الحكمة والفكر والفلسفة، وفوق ذلك الجرأة.

على أي حال نقلت الكوميديا إلى العربية بترجمات عديدة كما يعلم الجميع، غير أن ميزة ترجمة حنا عبود تتضمن سردية واسعة؛ بل مترامية الأطراف من الشروحات والمعلومات والقصص والمواقف التي معاً تجعلنا نقرأ الكوميديا هذه المرّة برؤية ثقافية شاملة، بحيث نعرف مثلاً، لماذا أوّل من وضع دانتي في جحيمه هم الانتهازيون، وسنعرف أيضاً لماذا وضع فلاسفة في الجحيم مثلهم مثل الشرهين والمنافقين، وأصحاب الخطايا الثقيلة.

أما حكاية الانتهازيين فيلخّصها حنّا عبود على النحو التالي: يمرّ الشاعران «ويقصد بالشاعرين: دانتي وفرجيل، ففرجيل هو من يدلّ دانتي في رحلته الأسطورية إلى الفردوس والجحيم والمطهر».. مرة ثانية يمرّ الشاعران عبر بوابة الجحيم ويصلان إلى المدخل، وفي المدخل يشاهدان الانتهازيين وعذابهم، إنهم قوم يرفض خارون نقلهم، فلا الجحيم يدخلون، ولا في النعيم يقبلون، فهم أبداً تائهون.. ويعاود حنا عبّود شرح طبيعة الانتهازيين مرة ثانية فهم لا قرار لهم، يميلون حيث مصلحتهم، لذا نُبِذوا من النعيم..

ولكن ماذا يقول دانتي نفسه عن الانتهازيين في نص الكوميديا: يقول: «نبذتهم السماء حفاظاً على كمال بهائها../.. ورفضهم الجحيم حتى لا يفخر عليهم../.. الآثمون بهول آثامهم..». ويقول دانتي: «حياتهم كانت خسيسة وضيعة../.. عاشوا حياتهم ولم يذكرهم أحد العدالة رفضتهم../.. وعنهم ابتعدت الرحمة..».

تُرى كم من الإيمان في قلب دانتي الذي كان يقول: عذاب الكبرياء هو الغضب.

وكان يقول: «أرشدتك بفضل العقل والفن، فحبُّ الخير فيك الآن سيكون مرشدك».. دانتي أيضاً يعرف الوفاء ويمقت النكران ويحفظ الجميل، كأي أخلاقي كبير ونبيل في الوقت نفسه.

انظر ماذا يقول عن الإنياذة لفرجيل.. فرجيل معلّمه ودليله «الإنياذة، الأم التي قدّمت حليب الرضاعة لأناشيدي، ومن دونها ما كنت لأساوي مليماً واحداً».

وبعد.. من يتعلم؟ وكيف؟ ومتى؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rtud7r8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"