اللعب بالورقة النووية!

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

كأي ألعاب خطرة على الحافة يصعب التحكم تماماً فيما قد يفضي إليه اللعب بالورقة النووية.

يكاد يستحيل استصدار وثائق ضمان مطلقة ألا تفلت الرسائل النووية المتبادلة من وظائفها كروادع إلى الزج بالعالم في أتون أول وآخر حرب نووية.

في الحرب الأوكرانية هناك الآن سباق محموم للدفع بأسلحة أكثر تقدماً وتدميراً على أرض العمليات العسكرية خشية خسارة معاركها المحتدمة.

أية خسارة محتملة لروسيا تعني بالضبط تهميش أوزانها وأدوارها في محيطها المباشر. الخسارة قد تفضي إلى إذلالها وربما تفكيك دولتها.

وأية خسارة محتملة للولايات المتحدة تفضي بالضرورة إلى تفكيك التحالف الغربي وذراعه العسكرية حلف «الناتو»، وقد تفضي إلى إطاحة أدوارها كدولة عظمى مهيمنة بمفردها على المعادلات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة.

هذا هو السياق العام الذي يجري فيه تبادل رسائل الردع النووية. أمام حرب استنزاف مفتوحة بغير أفق سياسي، وصلت الرسائل النووية المتبادلة إلى حدود تكاد تشبه الجنون، رغم إدراك أن الحرب النووية لا كاسب فيها.

إنه الصراع الدامي على قيادة العالم، حسابات ومصالح القوة فيه. أوكرانيا ميدان الصراع وليست موضوعه الرئيسي.

هذه هي الحقيقة الرئيسية وراء الانشقاق الحاد في البنية الدولية وتواتر الحديث على جانبي الصراع عن شراكات استراتيجية، الشراكة الأطلسية على جانب والشراكة الصينية الروسية على الجانب الآخر.

أخذت موسكو زمام المبادرة بالتلويح النووي ولم تتأخر واشنطن عن الرد بالمثل.

في تصعيد أخير لافت ومنذر دخلت بريطانيا على خط الرسائل النووية بإعلان نيتها إرسال قنابل يورانيوم منضّب إلى كييف.

طُرح على الفور سؤالان: هل تستخدم مثل هذه القنابل في الحرب الأوكرانية؟.. وما ردة الفعل المتوقعة من موسكو؟

المشكلة في الحالة الروسية الراهنة أنها دولة نووية ولديها أكبر مخزون نووي في العالم، وقد تلجأ لاستخدام السلاح النووي التكتيكي في الرد على هذا التصعيد.

«إذا أمدّت بريطانيا كييف بيورانيوم منضّب فإن الرد لن يتأخر»، حسب تعهد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين». ثم كان التطور الأخطر في مسار الصراع الدامي بإقدام الولايات المتحدة على إنشاء أول قاعدة عسكرية مستدامة في بولندا على الحدود الأوكرانية.

القاعدة تحتوي قدرات وطاقات نووية بالإضافة إلى دبابات «إبرامز» ومنظومات «هيمارس» وطائرات «إف 35».

أعلنت روسيا بالمقابل أنها بصدد نشر صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا دولة الجوار الحليفة، التي تطل على الحدود المباشرة لدول الاتحاد الأوروبي.

عند هذا المستوى من اللعب المتبادل بالورقة النووية، لجأ الطرفان إلى خفض درجة المخاوف العامة من أن يفلت الزمام.

بوتين أعلن «أن نشر الأسلحة النووية في بيلا روسيا لا يخرق التزاماتنا الدولية بمنع الحرب النووية..».

ونظيره الأمريكي جو بايدن أكد «أننا لم نلحظ أي تغييرات في المواقع النووية الروسية تدعونا إلى تعديل أوضاعنا».

كانت تلك رسالة تهدئة من الجانبين، لكنها لم تمنع من المضي قدماً في التصعيد إلى الحافة النووية.

أجرت الولايات المتحدة مناورات واسعة في محيط شبه الجزيرة الكورية مع حليفتها كوريا الجنوبية. لم يكن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في حاجة إلى من يستفزه، فقد سارع قبل وأثناء تلك المناورات إلى تجريب صواريخ باليستية جديدة أكثر تقدماً مما في مخازنه.

التوتير الأمريكي المتصاعد للأجواء في المحيطين الهادي والهندي، دعا للتساؤل ما إذا كان هناك اتجاه أمريكي للدخول في مواجهة عسكرية مع الصين، أم أنها استعراضات قوة أرادت أن تقول للعالم إنها ما زالت القوة العظمى المهيمنة عليه.

في أحوال الفوضى التي تضرب العالم بدت الولايات المتحدة مرتبكة استراتيجياً.

وقد عبّر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية أمام الكونغرس عن طبيعة وحجم تلك الفوضى بتأكيد أن أمريكا ليس بمقدورها إدارة حرب مع روسيا والصين معاً.

إذا كان ذلك تقدير القيادة العليا في البنتاجون، فما معنى التحرش العسكري بالصين؟!

وسط تلك الأجواء المحمومة أقدمت روسيا على نصب منظومة صواريخ «يارس» العابرة للقارات في مناطق عديدة داخل أراضيها. كان تلك رسالة أخرى، فتلك الصواريخ يمكنها أن تصل بحمولتها النووية الاستراتيجية إلى أي مكان في أوروبا، أو داخل الولايات المتحدة نفسها.

في مثل هذه الأجواء التفلّت النووي غير مستبعد.

بأثر التجربة الإنسانية المروّعة في «هيروشيما» و«نجازاكي»، إثر استخدام قنابل ذرية بالقرب من نهاية الحرب العالمية الثانية سادت البشرية مشاعر نفور جماعي من مجرد التفكير في اللجوء إلى السلاح النووي.

أحد مصادر الخشية الآن أنه لا توجد قواعد اشتباك واضحة وملزمة. التوازنات الدولية مختلة والفوضى تضرب بنية النظام الدولي. السياق ضروري لفهم مواطن الخطر النووي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25jwtnu2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"