الفقر في الدول العربية

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

يشكل الفقر إحدى أكبر المشكلات التي تهدد المجتمعات البشرية، والتي يمكن أن تقودها إلى التفكك والدمار. ففي رحم الفقر ينمو الجهل، وتنتشر الجريمة، وينتشر التطرف والإرهاب. فالأسر الفقيرة تبقى عاجزة عن توفير مستلزمات الحياة الكريمة لأبنائها، لا سيما في مجال التعليم والرعاية الصحية، ولذلك فإن الفقر يمثل إدانة أخلاقية لعصرنا الحالي، الذي يشهد المزيد من التطور، وزيادة غير مسبوقة في الثروات، والصراعات التي لا تنتهي، بالتوازي مع فقر الملايين من البشر، وموتهم جوعاً أحياناً، لا سيما الأطفال.

 وفي عالمنا العربي تحظى هذه الظاهرة المؤسفة بأهمية كبيرة من الباحثين والمتخصصين في علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، على اعتبار أنها تهدد الملايين من أبناء الشعوب العربية، أو تحد من أنشطتهم وقدراتهم وتجعلهم غير قادرين على التفاعل مع بيئتهم الجغرافية أو تأدية دورهم الإنساني، فهم لا يستمتعون بفرصة الحياة الممنوحة لهم أسوة بغيرهم، ما يجعلهم فئة اجتماعية مهمشة، عرضة للسقوط في مستنقعات الجريمة على اختلاف أنواعها.

 كما يعد الفقر عقبة أساسية أمام التنمية والتطور وخطراً محدقاً على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ويجر مشكلات أخرى متفرعة عنه، لعل أبرزها التشرد وعمالة الأطفال، الذين يحرمون من حقوقهم الإنسانية في العيش بكرامة، والتمتع بحقوقهم من التعليم والرعاية الصحية وغيرها من متطلبات الحياة الإنسانية الكريمة.

 ولو تابعنا بعض الإحصائيات والدراسات التي اهتمت بهذه المشكلة في العالم العربي، لصدمتنا تلك الإحصائيات، فعلى سبيل المثال لا الحصر أفادت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) بارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية في عام 2022 مقارنة بالسنوات الماضية، حيث وصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، وهذا رقم كبير جداً ويمثل ثلث سكان المنطقة، إذا استثنينا دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتمتع بمستوى من الإمكانيات والرفاهية والاقتصادات القوية.

 وتبدو هذه الأرقام حول الفقر في الدول العربية مثيرة للقلق، عندما تجمع الدراسات والتقارير الدولية خلال عام 2023، وعلى رأسها تقارير صندوق النقد الدولي و«إسكوا» أن العام المقبل لا يحمل أخباراً سارة لمواطني العالم العربي، في هذا الشأن.

فطبقاً لتقرير «إسكوا» فإن معدلات البطالة في العالم العربي باتت الأعلى عالمياً، وأن الفقر قد يتزايد في الدول العربية خلال عامي 2023 و2024 ليصل إلى 36% من مجموع السكان.

وتبدو هذه المعضلة في تفاقم أكبر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع نسبة التضخم في المنطقة العربية خلال العام الماضي، ناهيك عن التباطؤ في الناتج المحلي للعديد من الدول العربية، بسبب ما تشهده من صراعات ونزاعات مسلحة.

ولو عدنا إلى الآثار التي تتركها هذه الأوضاع الاقتصادية على الأطفال وهم الفئة الأكثر تعرضاً للنتائج السلبية الناجمة عنها، نلاحظ أن الكثير من الدول العربية لا سيما التي تعيش صراعات مسلحة، قد فشلت في تحييد أطفالها عن أسوأ أشكال العمالة وهي عمالة الأطفال، خاصة في ظل موجات النزوح واللجوء الناجمة عن هذه الصراعات.

 وتقدر أرقام منظمة العمل الدولية عدد الأطفال الموجودين حالياً في سوق العمل في الدول العربية بنحو 13.4 مليون طفل، ما يمثّل 15% من مجمل الأطفال في المنطقة العربية. وهو رقم كبير يتجاوز بأشواط معدلات عمالة الأطفال العالمية، في ظل وجود عوامل استثنائية تدفع الأطفال بأعداد متزايدة إلى سوق العمل في المنطقة العربية.

ومن المؤسف أنه رغم كل هذه الجهود والخطط والتشريعات، إلا أن العديد من الدول العربية فشلت في تحقيق الأهداف التي رسمتها، لا بل تشير الأرقام إلى أن الوضع ازداد سوءاً خلال العقد الماضي.

 جيل لم تسمح له الظروف بالحصول على المؤهلات العلمية، التي تسمح له بالإنتاج والحصول على فرص مناسبة لدخول معترك الحياة، والمساهمة في خطط التنمية التي تضعها الدول العربية في سياساتها الاقتصادية والمجتمعية، وبالتالي فهو جيل ليس جاهلاً أو غير متعلم فقط وإنما تربة خصبة لتوليد المزيد من المشكلات والمعضلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

 أخيراً، يمكن القول إنه ما لم تضع الدول العربية لا سيما التي عاشت أو تعيش صراعات مسلحة خططاً جدية لمواجهة ظاهرة الفقر والحد منها أو استئصالها فإن ذلك سيفتح الباب إلى مزيد من المآزق الخطيرة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/53z3e6jh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"