تجارة الصين الرقمية

22:46 مساء
قراءة 4 دقائق

تشانغ مونان*

تعتبر الصين، عضواً مهماً في عدد من اتفاقيات التجارة الحرة العالمية رفيعة المستوى، وفي عام 2021، تقدمت البلاد بطلب للانضمام إلى «الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ»، و«اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي». وذلك بهدف دمج قواعدها التجارية مع قواعد التجارة الدولية.

وفي حال انضمامها، يمكن للصين تطوير اقتصادها الرقمي وجني الكثير من الفوائد، لا سيما فيما يتعلق بالقواعد والإصلاحات، خصوصاً أن تجارتها الرقمية تنمو بمعدل أسرع مقارنة بتجارة السلع والخدمات.

أعاقت الكثير من العوامل عمليات التجارة متعددة الأطراف التي تتبناها منظمة التجارة العالمية، ونتيجة لذلك، لا تستطيع المنظمة تلبية متطلبات القواعد الخاصة بالتجارة الرقمية العالمية المتنامية. وهناك ما يقرب من 120 اتفاقية تجارة حرة عالمياً تغطي 110 دول ومنطقة وتضم أكثر من 80 فصلاً عن التجارة الإلكترونية والرقمية، وأكثرها تمثيلاً هي «الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ»، التي تضم 11 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، و«اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي»، إضافة إلى اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

في السنوات الأخيرة، عملت الصين إقليمياً مع اقتصادات أخرى لوضع قواعد داعمة للتجارة الرقمية للمنطقة، واقترحت خططاً لتطويرها وتحسين نظام القواعد فيها. وعلى المستوى الدولي، تشارك الصين بانتظام في اجتماعات منظمة التجارة العالمية التي تخص التجارة الإلكترونية الدولية ومنتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وخلال هذه الاجتماعات، تم تقديم أربعة مقترحات لتطوير التجارة الإلكترونية عبر الحدود، وتسهيل التبادلات التجارية والخدمات اللوجستية والدفع الإلكتروني وغيرها من القضايا.

وباعتبارها واحدة من أفضل خمس دول في التجارة الرقمية، تمتلك الصين سوقاً محلياً ضخماً وموارد بيانات غنية وشبكة بنية تحتية كاملة ولاعبين في السوق يروجون للابتكارات. وهذا يعني أن قطاع التجارة الرقمية فيها لديه إمكانات هائلة للتنمية.

في عام 2021، بلغت واردات الصين وصادراتها من الخدمات التي يمكن تسليمها رقمياً 359.69 مليار دولار، بزيادة 22.3% على أساس سنوي. وتضاعف فائض التجارة الرقمية لديها مقارنة بعام 2020، بسبب النمو المستمر لأربع سنوات متتالية. كما بلغ حجم تجارة الصين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 117.11 مليار دولار، بزيادة 27.3% على أساس سنوي، منها نحو 77 ملياراً من الصادرات، وهو ما يمثل 8.6% من الإجمالي العالمي، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة عالمياً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن معدل نمو تجارة الخدمات الرقمية في الصين أعلى بكثير من المتوسط العالمي، ما يجعلها أسرع دولة تقدم خدمة رقمية نمواً في العالم.

ومقارنة بالأحكام الأساسية ل «الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ»، و«اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي»، واتفاقيات التجارة الحرة المماثلة، فإن اتفاقيات التجارة الحرة (التسعة عشر) التي وقعتها الصين مع 26 دولة في المنطقة تركز بشكل أساسي على المعاملات الإلكترونية، والتجارة اللاورقية، وتسهيلات التجارة الرقمية. لكنها لا تغطي مجالات جديدة مثل تدفق البيانات عبر الحدود، والوصول إلى سوق الخدمات الرقمية، وحماية «رمز المصدر». كما لا يزال موقف الصين ضعيفاً نسبياً عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات لوضع قواعد التجارة الرقمية الثنائية والمتعددة الأطراف.

في غضون ذلك، تعكس «الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ»، و«اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي» الاتجاه المستقبلي لاتفاقيات التجارة الحرة العالمية الأخرى رفيعة المستوى والمعنية بالتجارة الرقمية. فإطار قواعد التجارة الرقمية الخاصة بهما لا يغطي فقط مجالات التجارة الإلكترونية التقليدية، كالنقل الإلكتروني المعفى من الرسوم الجمركية، وحماية المعلومات الشخصية للمستهلك عبر الإنترنت، ولكنه يُسهل أيضاً نقل البيانات عبر الحدود، وتوطين مرافق الحوسبة، وحماية رمز المصدر، من بين قضايا أخرى.

في المقابل، تختلف «اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي» عن الاتفاقيات الأخرى من حيث تركيزها المكثف على التوجه الإنمائي، وتدعيم سلاسل توريد الاقتصاد الرقمي العابر الحدود، وقواعد الكشف عن البيانات، إضافة إلى التنمية الرقمية الشاملة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.

واستناداً إلى مزايا الصناعات التحويلية التقليدية والمرافق الرقمية الناشئة، تقدم الصناعات الصينية المتمثلة في إنترنت المركبات، والتكنولوجيا المالية، والإنترنت الصناعي، والتجارة الإلكترونية عبر الحدود، والصناعات الدوائية، وغيرها من الصناعات الحيوية، سيناريوهات متعددة لتطبيق البيانات. لذلك يجب على الصين أن تضع، وعلى وجه السرعة، القواعد المناسبة للمؤسسات العاملة في المجال الرقمي، وتسرع دمج القواعد المحلية مع تلك التي ترتكز عليها التجارة الرقمية العالمية، وأن تعمل على توسيع دائرة أصدقائها الرقمية.

بشكل عام، تعتبر «الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ»، و«اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي»، فصلاً حيوياً من فصول التنمية الاقتصادية الرقمية للصين، سيساعدها على تعزيز انفتاحها المؤسساتي على العالم. ومن خلال توسيع رقعة انخراطها، يمكن أن تصبح الصين قوة تجارية رقمية ذات أدوار أكبر وأهم في عمليات صنع القرار وقواعد التجارة الرقمية العالمية، ما سيسهم في نهاية المطاف في تدعيم مسار الصين نحو التطوير التحديث.

* نائب مدير معهد الدراسات الأمريكية والأوروبية ( تشاينا ديلي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/p9bubsy9

عن الكاتب

نائب مدير معهد الدراسات الأمريكية والأوروبية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"