الرؤية العربية المشتركة... ضرورة ملحة

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول

المقالان اللذان نشرتُهما على صفحات «الخليج» الغرّاء عن «الاختراق الصيني والرؤية الخليجية» (16 مارس) و”الانفتاح التركي على الجوار” (13 إبريل) أثارا حواراً مع المحللين، وخبراء السياسة، وصُنّاع القرار في العالم العربي.

  وللتذكير، فقد تناول المقال الأول ظاهرة التقارب الإيراني - الخليجي، التي من أهم مؤشراتها استئناف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية - السعودية، وزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، دولة الإمارات في 16 مارس/ آذار المنصرم، وبدء مباحثات إيرانية - بحرينية مباشرة لاستئناف العلاقات بين البلدين.   

  ولكن من أهم مضامين هذا التقارب الاختراق الصيني للسياسات الإقليمية وتنامي دور بكين الأوسطي. أمّا المقال الثاني فقد استقرأ الانفتاح التركي على العالم العربي، الذي تمثّلت أهم مظاهره في التقارب التركي - الخليجي، لا سيما مع الإمارات والسعودية، وتقارب تركيا مع مصر والعراق، وانفتاحها على سوريا.

 على أي حال، تركّز الحوار الذي أثاره هذان المقالان على أنّ هذه الظواهر الجديدة تستلزم تطوير رؤية خليجية وعربية مشتركة للتعامل مع هؤلاء الفاعلين الإقليميين والدوليين؛ أقصد إيران، وتركيا، والصين.

 والحق أن ذلك صار من اللزوميات؛ لأن هذه الظواهر الربيعية بعد “الخريف العربي”؛ وأقصد التقارب الإيراني - الخليجي، والانفتاح التركي على العالم العربي، وتنامي الدور الصيني في السياسات العربية وشرق الأوسطية لن تؤتي أُكلها المنشود، ولن تحقق الفائدة المرجوّة من ورائها ما لم يتعلّم العرب فن وعلم تنسيق المواقف. والأمر لا يحتاج إلى رأي خبير لنعلم أن انفراد أيّ من إيران، أو تركيا، أو الصين بكل دولة عربية على حِدة هو لمصلحة الأولى أكثر مما هو لمصلحة الدول العربية فُرادى ومجتمعة. ويمكن لتنسيق المواقف التفاوضية مع هذه القوى الإقليمية والدولية وغيرها أن يفعل الأعاجيب من دون أن يؤثر ذلك في استقلالية الدول العربية وتوجّهاتها السياسية والاقتصادية. 

بعبارة أخرى، وكما ألحّ أحد محاوريّ، “نحتاج، يا دكتور صلاح، إلى دعوة دولنا إلى تبنّي سياسة تنسيق المواقف أمام الآخرين، من دون أن تخشى هذه الدول أي تبعات سلبية على أنظمتها جرّاء ذلك. ولننظر إلى الأوروبيين؛ فبرغم اختلافاتهم الكثيرة وتبايناتهم الواسعة، لكنهم بتنسيق المواقف ينتجون تأثيراً وثقلاً أقوى مما لو انتهجوا استراتيجية (كل مين ايدو إلو) على رأي إخواننا الشاميين”.

  علاوة على ذلك، فإنّ التوجهات الخارجية الجديدة لدول مجلس التعاون وعددٍ من الدول العربية القائمة على تنويع الشركاء لن تكون فعّالة ما لم تتوافر آليات لتنسيق المواقف بينها، وإن كان -مبدئياً- على شكل مَحاور وتكتّلات بين عدد من الدول العربية المؤثرة؛ مثل المحور المصري - السعودي - الإماراتي. ويضم هذا المحور كلاً من مصر، والسعودية، والإمارات، والأردن، والبحرين، وانفتح مؤخراً على العراق.   

  وسوف يستمر هذا المحور، وسوف يُفضي إلى إحياء النظام العربي، بما يعنيه من عودة التضامن العربي وتنسيق مواقف الدول العربية -في الحد الأدنى- تجاه مبادرات الفاعلين الإقليميين والدوليين.

  كما أنّ دول مجلس التعاون لن تستطيع الإفادة من “لحظة الخليج” في السياسة الدولية ما لم تطوّر رؤية خليجية مشتركة تنطلق من مقررات قمة العُلا؛ لتعطي تنامي الدور الخليجي على المستويين الإقليمي والدولي زخماً.

  وفيما يتعلق بانعكاسات التقارب الإيراني - الخليجي، والانفتاح التركي على العالم العربي، وتنامي الدور الصيني في السياسة الإقليمية على تسوية الأزمات والصراعات في المنطقة العربية وعلى رأسها الأزمة اليمنية، والمسألة الليبية، والصراع في سوريا، والمشكلة اللبنانية أقول: من الصعب أن نجني انعكاسات إيجابية من دون حدٍّ أدنى من تنسيق المواقف العربية.

  ونتطلع إلى القمة العربية في الرياض، في 19 مايو/ أيار المقبل؛ للشروع في الإعداد لاستراتيجية عربية للتعامل مع القضايا الدولية والإقليمية ذات التأثير المباشر في المصالح العربية؛ وحتى يصبح العرب هم المتغير المستقل في التفاعلات العربية مع الفاعلين الإقليميين والدوليين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jyvjd2x7

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"