وراثة..

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

..‬ يبدو أنها قدرية تاريخية تلك التي تتعلق بالشعر والشعراء من باب العائلة أو الجينات أو الوراثة، فعند العرب متنبي واحد، ولو كانت كل عائلته شعراء، وفي الهند طاغور واحد، وفي العالم كله شكسبير واحد، وبوشكين واحد، وخنساء واحدة، حتى لو كان أعمام وأخوال هؤلاء شعراء.. هناك واحد أو واحدة فقط في العائلة. وفي العالم، أما دم الشعر الذي يسري في عروق بقية الأهل والأقارب والأجداد، فكله يصب في ذلك القلب الواحد.
يذكر منير الملائكة خال الشاعرة نازك الملائكة، في حوار صحفي ممتع وذكي مع الروائي الصديق شاكر نوري أجراه في دبي «الشرق الأوسط 23-4-2023» أن أحد إخوته واسمه عبد الصاحب عنده ديوان، ويقول إن أخته أم نزار عندها أيضاً ديوان، وأن أمه (أي أم منير الملائكة) نظمت قصيدة من مئة بيت عن زيارتها إلى مكة، ويضيف خال نازك الملائكة أن أخاه جميل الملائكة شاعر أيضاً..
هذه العائلة الشعرية الملائكية فيها نازك واحدة، قلبت الشعر العربي بقصيدة الكوليرا في عام 1947، وملأ اسمها وصوتها الوطن العربي والعالم، «.. من المفارقات التي تخطر على بالي يقول خالها في الحوار.. إن سفيرة أستراليا في بغداد أطلقت اسم نازك الملائكة على قاعة في السفارة..».
هل يورّث الشعر مثلما تُورث السلطة والمال والزعامة وصفات العينين والأنف والفم، بالطبع لم يحدث ذلك في تاريخ الشعر منذ هوميروس الذي لم يتكرر في أية نسخة وراثية إلى اليوم، ولن يحدث، ذلك أن مادة الشعر وتركيبه وخلاياه وأوعيته الدموية والعاطفية والروحية هي معاً صيغة ولادية خَلقية تحدث مرة واحدة، ولذلك، يقال عن شاعر ما إن له بصمة أدبية أو لغوية أو ثقافية، تماماً مثل بصمة الإصبع، أو بصمة العين.
في الفن عموماً، وليس الشعر فقط، يصعب التوريث، وإن كان ثمة من حالات يشار إليها عملياً ونوعياً، فمن المستحيل أن تتطابق نسخة التوريث مع النسخة الأصل.
لم يرث زياد الرحباني أمه فيروز؛ بل كان دائماً على هوامشها مرة قريباً منها، ومرة بعيداً عنها، تماماً، في المساحة الاستقلالية التي تجعل منه «زياد» بعيداً عن أمه، وتجعل من فيروز بعيدة، أيضاً عن الابن لكي يشعر أو يعرف أنه نسخة أصل هو الآخر، وليس نسخة توريث.
لدي أيضاً مثال توريثي آخر، في الفن، ولكنه فاشل هذه المرة «في المسرح والسينما»، ومن دون الإشارة إلى أسماء بعينها انسحبت النسخة السينمائية أو التلفزيونية، وتوارت، وعرفت طولها وعرضها تحت اللحاف الذي تنام فيه.. وبقي في الذاكرة مشاغب واحد.. صار في ما بعد الزعيم الأوحد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45ns2vf8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"