عادي
يوهانس فيرمير رسام الحياة البرجوازية

«الفتاة ذات الحجاب».. نظرات غامضة تحاور المشاهد

16:32 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
ممارسات فنية غاية في الروعة تلك التي قدمها الرسام الهولندي يوهانس فيرمير «1632 ـ 1675»، وهو من فناني الفترة الباروكية، ويعد من أكبر مبدعي القرن الـ17 في أوروبا، كان متخصصاً في رسم المشاهد الداخلية المنزلية لحياة الطبقة الوسطى، وعلى الرغم من شهرته اللاحقة، فإنه عاش فقيراً، فقد ترك زوجته وأطفاله غارقين في الديون عند وفاته، وربما يعود سبب ذلك لإنتاجه عدداً قليلاً نسبياً من اللوحات الزيتية؛ حيث عمل فيرمير ببطء واهتمام شديدين، وكثيراً ما كان يستخدم الأصباغ باهظة الثمن، اشتُهر بشكل خاص باستخدامه للضوء في أعماله.
أصاب فيرمير قدراً من النجاح المحلي في حياته أثناء فترة عيشه في دلفت ولاهاي في هولندا، لكن شهرته المتواضعة أفسحت مجالاً للغموض بعد وفاته؛ حيث لم يُذكر إلا بالكاد في كتاب للمؤرخ أرنولد هوبراكن في القرن السابع عشر، لكن فيرمير اكتُشف من قبل غوستاف فريدريك وثيوفل برغر، عندما نشرا مقالاً يحتوي على 66 صورة للفنان على الرغم من أن 34 لوحة فقط تُنسب إليه اليوم، ومنذ ذلك الوقت اتسعت شهرة فيرمير ليصبح معروفاً بصفته واحداً من أعظم الرسامين في العصر الذهبي الهولندي، لم يسافر هذا الفنان إلى الخارج قط، وكذلك فعل العديد من الفنانين الهولنديين في العصر الذهبي أمثال رامبرانت وفرانز هالزن.

الصورة

لوحة «الفتاة ذات الحجاب»، أو «الفتاة الصغيرة»، تعد من أهم أعمال فيرمير، وتدل على مقدرة إبداعية عظيمة لدى الفنان، وقد اكتملت في الفترة بين عامي 1665 و1667، وهي الآن في متحف متروبوليتان الفن، نيويورك؛ حيث تعد من روائع الرسم العالمي، وهي تنتمي إلى طريقة فيرمير التي اشتهر بها؛ إذ عرف عنه تخصصه الفائق في رسم لوحات المشاهد المنزلية، ويقول عنه كثير من النقاد: إن من الواضح أن جميع المشاهد في لوحاته جرت في غرفتين صغيرتين ضمن منزله في دلفت؛ إذ يظهر نفس الأثاث والديكورات في ترتيبات مختلفة، وكثيراً ما صور نفس الأشخاص وكان معظمهم من النساء من الطبقة الوسطى، وكان ذلك الأمر سائداً بكثرة في ذلك الوقت، لكن براعة فيرمير جعلت أعماله، على الرغم من قلتها، تخلد في أذهان الناس؛ بل إن الكثير من لوحاته تلك أخذت الشهرة الشعبية؛ إذ باتت تستخدم في زينة البيوت والمكاتب والمقاهي، ومن ضمنها هذه اللوحة التي اعتبرت من قبل النقاد أيقونة فريدة؛ وذلك يشير إلى المكانة الكبيرة التي وصل إليها الفنان من متخصص في رسم مظاهر الحياة البرجوازية، إلى صاحب شعبية حتى وسط الطبقات الفقيرة، ويشير كثير من النقاد إلى أن قيمة فيرمير الإبداعية الكبيرة في كون قد أرخ للواقع الاجتماعي من خلال أعماله الفنية ورسوماته.

  • جدل

لا تكاد تذكر لوحة «الفتاة ذات الحجاب»، إلا ومعها أيقونة فنية أخرى من إبداعات فيرمير وهي لوحة «الفتاة ذات القرط»، والتي اكتسبت شهرة ومكانة شعبية أكبر، والمفارقة أن اللوحتين رسمتا في ذات الوقت ولهما حجم متطابق تقريباً بذات النغمة والأسلوبية والتكوين، إلى حد أن ذلك الأمر قد أثار بعض الجدل لدى المؤرخين الفنيين والنقاد؛ حيث اعتبر بعضهم أن أي لوحة من الاثنتين لا علاقة لها بالأخرى، فيما ذهب آخرون إلى أن الفتاة ذات الحجاب نظيرة أو شبيهة للوحة «الفتاة ذات القرط»، بينما أكد البعض أن العملين متطابقين مع اختلاف بعض التفاصيل؛ حيث تظهر في كل من العملين أقراط اللؤلؤ، والأوشحة الملفوفة على كتفي الفتاتين في اللوحتين، والخلفية السوداء البسيطة، وربما أدى ذلك الجدل إلى ضرورة أن يتم فحص العملين بصورة أكثر عملية وأدوات متقدمة من أجل إجلاء الفوارق بين الرسمتين، على الرغم من وجود اختلافات واضحة بينهما؛ حيث إن ما غاب عن الكثير من النقاد والمشتغلين في الفنون أن فيرمير قد تخصص في رسم نساء الطبقة الوسطى، وبالتالي كان من الطبيعي وجود الكثير من أوجه الشبه بين تلك الرسومات.

الصورة
  • وصف

في هذا العمل الفني، تظهر فتاة تنتمي إلى عائلة من الطبقة الوسطى، ترتدي حجاباً وثياباً بيضاء، مع نظرة مباشرة وعميقة وذات دلالات، وتظهر تلك الفتاة بأنف صغير وشفتين رفيعتين، وقد ذكر العديد من النقاد أن افتقار هذه الفتاة، في مشهد اللوحة، إلى الجمال المثالي، قاد إلى اعتقاد عام وشبه متفق عليه، بأن هذا العمل قد تم رسمه بناءً على تكليف، على الرغم من أنه من الممكن أن يكون النموذج هو ابنة فيرمير نفسه، فربما استخدم الفنان نموذجاً حياً، في حين يرى البعض أن جميع أو على الأقل معظم لوحات ووجوه فيرمير، هي حالة تعبيرية، ليس بالضرورة أن يعبر عن شخصية معينة؛ بل حالة متخيلة في كثير من الأحيان، خاصة أن هذه التعبيرية، هي نوع من الفن الهولندي الذي كان سائداً في القرن السابع عشر.
هذا العمل وجد تقديراً كبيراً من قبل النقاد ومؤرخي الفنون؛ وذلك بسبب المهارة والبراعة الفنية لدى فيرمير، كما أن اللوحة تحرض المتلقي على التأمل في الفتاة ومحاولة النفاذ إلى أفكارها ومشاعرها أو شخصيتها وهو أمر نموذجي في العديد من لوحات فيرمير، وهوما يؤكد ما أشرنا إليه من أن الفنان يرسم حالة تعبيرية وليس وجهاً محدداً بالتالي ليس من المهم أن يتوفر فيه قدر كبير من الجمال، بقدر ما يهتم الفنان بأن ينصرف المتلقي إلى حالة من التأمل والتفكير العميق، وفي عام 1994، كتب المؤرخ الفني إدوارد سنو، ما معناه أن هذه اللوحة تنقل الرغبة في قبول المحب على الرغم مما يمكن أن يكون فيه من عيوب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2np3zvf8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"