عادي
دومنيكينو زامبيري يرسم أحد أشهر الأساطير

«العرافة كيومي».. العين موطن الأسرار

15:44 مساء
قراءة 4 دقائق
دومنيكينو زامبيري و لوحة «العرافة كيومي»

الشارقة: علاء الدين محمود

دومنيكينو زامبيري، «1581 1641»، هو واحد من أشهر الرسامين والمبدعين الإيطاليين في الفترة الباروكية، وهو من أتباع المدرسة البولونية في الفن، له العديد من الأعمال التي جعلت اسمه يتوهج في سماء الإبداع العالمي إلى جانب تلك النخبة التي برزت من فناني إيطاليا في تلك الحقبة المهمة التي عاش فيها؛ أي عصر النهضة، الذي شكل منعطفاً كبيراً وتحولاً هائلاً في تاريخ الفنون، فقد عاصر دومنيكينو كبار الرسامين الذين غيروا وجه التاريخ وفي مقدمتهم مايكل أنجلو، وتشبع بذلك الألق الإبداعي الذي سرى في وجدان رفائيل ودا فينشي وغيرهم، فكان أن وضع اسمه إلى جانب تلك النخبة الفريدة.

ولد دومنيكينو، في مدينة بولونيا الإيطالية، وتوفي في نابولي، وتنسب إليه العديد من الجداريات واللوحات في القصور والكنائس الإيطالية، ويعود الفضل إليه في تطوير فن رسم المناظر الطبيعية والأحداث الدينية والتاريخية التي غلبت عليها ثيمة أساسية، انعكست بصورة جليّة عبر جلّ أعماله الخالدة، إضافة إلى المواضيع الأسطورية والحكايات ذات الطابع الغرائبي، والتي عمل إلى تحويلها إلى لوحات نابضة بالحياة، وله العديد من الأعمال الفنية المشهورة، التي لا تزال تجد صدى كبيراً حول العالم، وتشكل موضوعاً للنقاد والباحثين والمؤرخين، وتحمل لوحاته عوالم لم تكتشف بعد.

لوحة «العرافة كيومي»، التي رسمها دومنيكينو بناء على طلب الكاردينال بورجيزي، في عام 1616، هي إحدى القطع الفنية النادرة، والأيقونات التي يحتفي بها أهل الفنون في كل حين، نسبة لأن من أبدعها هو دومنيكينو، وكذلك لأنها حملت تفاصيل قصة أو قصص تاريخية في غاية الأهمية، فاللوحة تنتمي إلى أسلوب الفنان، وولعه وفتنته بالحكايات والوقائع التاريخية والأسطورية، والذي كان نتاجه عشرات الأعمال التي تجعل القارئ يسافر إلى تواريخ سحيقة ليعايش الوقائع بنفسه، فهذه اللوحة «العرافة»، تعتبر أهم وأشهر أعماله؛ بل وصارت مصدر اهتمام مستمراً من قبل النقاد والفنانين؛ بل وحتى الشعراء والأدباء.

وقيل إن دومنيكينو قد تأثر في رسمه لهذا العمل «العرافة» بلوحة شهيرة للفنان رافائيل وهي «سانتا سيسيليا»، وكان لدومنيكينو ولع شديد برسم وجوه النساء، بعيون واسعة صافية ونظرات ترنو إلى البعيد وكأنها تحمل رؤية أو نبوءة للمستقبل، وهذه في سمات معروفة في أعمال هذا الرسّام وهو أمر قد اشتهر به، والذي سعى عبر هذه اللوحة إلى أن يعيد إنتاج حكاية كيومي ليجعلها حية وخالدة.

  • شخصية معروفة

الشخصية التي رسمها دومنيكينو، هي العرافة كيومي التي تعتبر من أشهر العرافات على مر التاريخ، وكانت تقطن في مستعمرة يونانية بالقرب من نابولي في إيطاليا، وعلى الرغم من أن هناك الكثير من العرافات اللواتي عرفهن العالم، خاصة القديم، فإن هذه الشخصية هي الأكثر شعبية، والأكثر تناولاً من قبل الفنانين والأدباء والمؤرخين، وربما ذلك ما يبرر كثرة صورها في الرسم الإيطالي، ولهذه العرافة العديد من النبوءات التي وجدت من يصدقها، وقد اشتهرت باسم كيومي نسبة لتلك المستعمرة التي عاشت فيها، حيث يقال إنها قد سكنت الكهوف، وكانت تكتب توقعاتها على أوراق الشجر، وتضعها على باب الكهف، حتى إذا لم يأخذها أحد بعثرتها الرياح، وقد نسجت حول تلك الشخصية العديد من الأساطير والحكايات.

وعلى الرغم من كثرة اللوحات التي تصور تلك العرافة، حيث رسمها كل من رفائيل، وجان فان ايك، ومايكل أنجلو وغيرهم في أعمالهم الفنية، فإن لوحة دومنيكينو كانت قد وجدت صدى خاصاً، على المستوى الشعبي، وقبولاً واحتفاء كبيرين عند جامعي التحف الفنية في القرن التاسع عشر، وكذلك من قبل النقاد ومؤرخي الفنون، ولذلك السبب، تنافس الرسّامون في استنساخ اللوحة والنسج على منوالها، حيث إن هناك الآن على الأقل سبع عشرة نسخة منها موجودة في متاحف ومجموعات فنية عديدة حول العالم.

  • وصف

في هذه اللوحة تظهر كيومي وهي ترتدي فستاناً من القماش النفيس، بقطعتين من درجات الألوان الأصفر والبرتقالي، مع وشاح على هيئة تاج في شعرها، وهي تتكئ على كرسي بطريقة تظهر مكانتها وأهميتها، وإلى جانبها جزء من آلة موسيقية، يبدو أنها آلة الكمان، وتظهر كيومي بعينين واسعتين صافيتين تسكنهما الأسرار، وكأنهما بحر بلا ساحل، في ما ترسل بصرها نحو البعيد، وكأنها تفكر في حكاية أو نبوءة جديدة ترسلها إلى العالم خارج كهفها، بينما تحمل في يديها أوراقاً ومخطوطات ظلت رفقيتها في عزلتها، تلك التي تستخدمها في كتابة الحكايات والأخبار والتوقعات، وعلى الرغم من أن دومنيكينو قد رسم ثلاث لوحات لشخصية هذه العرافة، تظهر فيها جميعاً وهي تعتمر وشاحاً وترتدي فستاناً من نوعية القماش الغالي، فإن هذه اللوحة، التي نحن بصددها، هي الأشهر من بين تلك اللوحات، حيث لقيت شهرة عالمية واسعة، وهي توجد اليوم في غاليري «بورغيزي» الشهير في روما.

أثرت هذه الشخصية كثيراً في عقل دومنيكينو، إلى جانب العديد من رسامي عصر النهضة الكبار، فكان أن ألهمته، ولئن رسم لها لوحات منفردة، فقد وظفها أيضاً في أعماله الأخرى، خاصة أن الفنان اشتهر باللوحات والجداريات الكبيرة التي تكسو اليوم حوائط المباني الدينية والمتاحف العالمية.

  • شعراء وملاحم

ترجع شهرة العرافة كيومي إلى ما قبل الميلاد، واحتفت بها كتب الأدب القديم والملاحم، وذكرها الشاعر الروماني أوفيدوس في كتاب «التحولات»، كما خصص لها فيرجيل مساحة في ملحمة «الإنيادة»، والذي وصف الكهف الذي كانت تسكنه كيومي بأنه كهف تقع على تخومه بوابات كثيرة تنقل صدى صوت العرافة وهي تسرد حكاياتها وتوقعاتها، وهو ما أثبته عالم الآثار أميدو ميوري في العالم 1932 عندما اكتشف من خلال الحفريات في مقاطعة «كيوما» الكهف الذي قيل إن العرافة كانت تعيش فيه، فقد كانت تضاريس وبنية الكهف تتوافق تماماً مع ما ذكره فيرجيل في ملحمته، كما زارت الكاتبة والروائية الإنجليزية ماري شيلي، مبدعة شخصية فرانكنشتاين عام 1818، ذلك الكهف وقامت بتحرير أحد حكايات كيومي في كتابها المعروف «الرجل الأخير» والذي تروي فيه قصة أول شخص يعيش في القرن 21 سيشهد نهاية العالم بوباء سيقضي على البشرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2b87s6n4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"