عادي

عذب الكلام

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق
4

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

تَجْنيس التّصْحيف، أنْ تكونَ النُّقَطُ فرقاً بَيْنَ الكَلمتين؛ كقول أبي دؤاد الإيادي:

وَرَدْتُ بِعَيْهامةٍ حُرّة

فَعَبَّتْ سِمالاً وهَبَّتْ شِمالا

التجنيس بين سِمال وشِمال. (العَيْهامةُ: الناقة. والسّمال: بَقِيَّةُ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ)

وقولِ أبي تمّام:

السَّيْفُ أصْدَقُ أنباءً مِنَ الكُتُبِ

في حَدّهِ الحَدُّ بَيْنَ الجِدِّ واللَّعِبِ

وقولِ البُحتريّ:

ولَمْ يكُنِ المُغْتَرُّ باللهِ إذْ سَرى

لَيعْجِزَ، والمُعْتّزُّ باللهِ طالِبُهْ

وقولِ الرّاعي:

يَبْدو لِعَيْنَيْكَ مُرّانٌ ونَجْوَتُها

مِنّي مَكامِنَ بَيْنَ الحَفْرِ والخَفْرِ

درر النظم والنّثر

عَصَيْتُ نَذِيرَ الْحِلْمِ

محمود سامي البارودي

(بحر الطويل)

عَصَيْتُ نَذِيرَ الْحِلْمِ فِي طاعَةِ الْجَهْلِ

وأَغْضَبْتُ فِي مَرْضاةِ حُبِّ الْمَها عَقْلِي

ونَازَعْتُ أَرْسانَ الْبَطالَةِ والصِّبا

إِلَى غايَةٍ لَمْ يَأْتِها أَحَدٌ قَبْلِي

رُوَيْدَكَ لا تَعْجَلْ بِلَوْمٍ عَلى امْرِئٍ

أَصابَ هَوَى نَفْسٍ فَفِي الدَّهْرِ ما يُسْلِي

فَلَيْسَتْ بِعارٍ صَبْوَةُ الْمَرْءِ ذِي الْحِجا

إِذا سَلِمَتْ أَخْلاقُهُ مِنْ أَذَى الْخَبْلِ

أَنَا ابْنُ الْوَغى والْخَيْلِ واللَّيْلِ والظُّبا

وسُمْرِ الْقَنا والرَّأْيِ والْعَقْدِ والْحَلِّ

فَقُلْ لِلَّذِي ظَنَّ الْمَعالِي قَرِيبَةً

رُوَيْداً فَلَيْسَ الْجِدُّ يُدْرَكُ بِالْهَزْلِ

فَما تَصْدُقُ الآمالُ إِلَّا لِفاتِكٍ

إِذا هَمَّ لَمْ تَعْطِفْهُ قارِعَةُ الْعَذْلِ

أَسِيرُ عَلى نَهْجِ الْوَفاءِ سَجِيَّةً

وكُلُّ امْرِئٍ فِي النَّاسِ يَجْرِي عَلى الأَصْلِ

تَرَكْتُ ضَغِيناتِ النُّفُوسِ لأَهْلِها

وأَكْبَرْتُ نَفْسِي أَنْ أَبِيتَ عَلى ذَحْلِ

كَذلِكَ دَأْبِي مُنْذُ أَبْصَرْتُ حُجَّتِي

وَلِيداً وحُبُّ الْخَيْرِ مِنْ سِمَةِ النُّبْلِ

من أسرار العربية

في ترتيبِ أشياءَ مُختلفةٍ: العَقَاقِيرُ، فيما تُعالجُ بِهِ الأدويةُ، كالتّوابِلِ فيما تُعالجُ بِهِ الأطعمةُ، والأفْوَاهِ فيما يُعالجُ به الطِّيبُ.البِذْرُ لِلْحنْطَةِ والشَّعير،ِ وسائِر الحبُوبِ، كالبِزْرِ للرَّياحينِ والبَقولِ. اللّفْحُ مِنَ الحرِّ، كالنَّفْحِ مِنَ البَرْدِ. الدَّرَجُ إلى فوْقُ، كالدَّرَكِ إلى أسْفَلُ.الهالَةُ للقَمَرِ، كالدَّارَةِ للشَمْسِ. الغَلَتُ في الحِسابِ، كالغَلَطِ في الكَلام.البَشَمُ مِنَ الطَّعَام، كالبَغَرِ مِنَ الشَّرَابِ والماء.الضُّعْفُ في الجِسم، كالضَّعْفِ في الرّأي والعَقل.الوَهْنُ في العَظْمِ والأمْرِ، كالوَهْي في الثّوْبِ والحبْلِ.حَلا في فَمِي، مثلُ حَلِيَ في صَدْري. البَصيرَةُ في القلْبِ، كالبَصَرِ في العَيْن.الوُعورَةُ في الجَبَلِ، كالوُعُوثَةِ في الرَّمْلِ.العَمَى في العَيْنِ، مِثلُ الْعَمَهِ في الرَّأي؛ وعَمَهَ يَعْمَهُ عَمَهاً وعُمُوهاً وعُمُوهَةً، إِذا حادَ عَنِ الْحَقِّ؛ قَاْلَ رُؤْبَةُ:

ومَهْمَهٍ أَطْرَافُهُ فِي مَهْمَهِ

أَعْمَى الْهُدَى بِالْجَاهِلِينَ الْعُمْهِ

هفوة وتصويب

ترد كثيراً مثل هذه العبارة «وقد داهَمَتْهم الشرطةُ..»؛ وهي خطأ، والصّواب «دَهَمَتْهم..»، لأن الفعل دَهمَ ويعني هجمَ. وفي المعجم: دَهِمَهُمُ الأَمْرُ يَدْهَمُهُمْ. والدَّهْمُ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ. ودَهِمُوهُمْ يَدْهَمُونَهُمْ دَهْماً:أَيْ جَاؤوهم بِمَرَّةٍ؛ قَاْلَ بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ:

فَدَهَمْتُهُمْ دَهْماً بِكُلِّ طِمِرَّةٍ

ومُقَطِّعٍ حَلَقَ الرِّحالَةِ مِرْجَمِ

ويقول آخرون فلانٌ غاوٍ للفنّ..«بمعنى مُحبّ؛ وهي خطأ، والصّوابُ «هاوٍ»، لأن الفعل غَوَى،غَيّاً وغَوِيَ غَوايَةً: ضَلَّ. ورَجُلٌ غَاوٍ وغَوٍ وغَوِيٌّ وَغَيَّانٌ: ضَالٌّ. قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ:

وهَلْ أَنَّا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةٍ إِنْ غَوَتْ

غَوَيْتُ وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ؟

من حكم العرب

الصّمْتُ زَيْنٌ والسُّكوتُ سَلامَةٌ

فإذا نَطَقْتَ فلا تَكُنْ مِهْذارا

ولَئنْ نَدِمْتَ على سُكوتِكَ مَرّةً

فَلَقَدْ نَدِمْتَ على الكَلامِ مِرارا

البيتان لأبي العتاهية، يقول إن خير الكلام ما قلّ ودلّ، فإذا أراد الإنسان أن يتحدّث، فليكن حديثاً مفيداً ممتعاً، وإلّا فالصمت خير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8nkdya

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"